الإحراق لعدم المماسّة لا يقال : لم يتحقّق الإحراق لوجود الرطوبة ، بل إنّما يكون الشرط شرطا بعد تحقّق المقتضي ، وإنّما يكون المانع مانعا بعد تحقّق الشرط ؛ إذ حينئذ يكون متّصفا بالمزاحم في التأثير ، وحينئذ فالشرط غير عدم المانع بل المانع إنّما يكون مانعا بعد فرض وجود الشرط.
ومن هنا منع قدسسره من أن يكون الوجود شرطا والعدم مانعا ومنع من كون أحد المتناقضين شرطا والآخر مانعا ؛ إذ مانعيّة الثاني إنّما يكون بعد وجود الشرط والمفروض أنّ وجود الشرط لا يمكن مع تحقّق المانع ؛ لتناقضهما.
ثمّ إنّه بعد هذه المقدّمة ذكر أنّ وجود أحد الضدّين لا بدّ أن يكون بعد حدوث علّته التامّة ، فالمقتضي للبياض مثلا والشرط له وعدم المانع كلّه متحقّق ، وحينئذ فعدم السواد إن لم يوجد مقتضيه فليس عدمه مستندا إلى المانع ، وإن وجد مقتضيه فكيف يعقل تحقّق مقتضيه مع أنّه يلزم تحقّق مقتضى المتناقضين؟ والمتناقضان في جميع المراتب يستحيل اجتماعهما ؛ إذ لو وجد المقتضي للسواد لاستند عدمه إلى وجود المانع ، وحينئذ فيكون الممتنع بالذات ممتنعا بالغير وهو محال.
ثمّ إنّه لو وجد المقتضي ولكنّه استند العدم إلى عدم الشرط فكذلك لم يستند لعدم المانع ؛ إذ إنّما يكون مانعا بعد وجود الشرط ، فهو قبل وجود الشرط ليس بمانع أصلا فليس عدمه من المقدّمات.
والجواب : أنّ مقتضى المحال محال كما قرّر لكنّه بمعنى تحقّق مقتض واحد للضدّين معا ، وهذا ممّا لا ريب في استحالته ، ولكن محلّ الكلام أن ينظر إلى مقتضى الشيء من حيث هو لا من حيث اجتماعه مع ضدّه ، وحينئذ لا مانع من تحقّق كلا المقتضيين في المقام. مثلا إذا كان هنا إناء ذو عروتين فأمسك زيد إحدى العروتين جاذبا له إلى جهة الشرق ، وأمسك عمرو عروته الاخرى جاذبا له إلى جهة الغرب فلا ريب حينئذ في تحقّق كلا المقتضيين ، وحينئذ فإن تكافأت القوّتان للجاذبين يبقى في مكانه ولا ينجذب إلى إحدى الجهتين أصلا ، فالمقتضى لكلا الضدّين لا مانع من تحقّقه ويكون حينئذ وجود أحدهما مانعا عن تحقّق الآخر.