وبالجملة ، فإذا احرز الملاك لا ريب في كفاية قصده إنّما الكلام في إحرازه.
وهو المقام الثاني : وذلك فإنّه يقال إنّ الملاك إنّما نحرزه نحن بالأمر انتقالا من المعلول إلى العلّة بناء على مذهب العدليّة من أنّ الله لا يأمر جزافا بل لا بدّ من مصالح في متعلّق أمره ومفاسد في متعلّق نهيه ، فإذا فرضنا أنّ إطلاق الأمر ليس شاملا لهذا الفرد فهذا الفرد خارج عن تحت إطلاق الأمر أو عمومه ، فمن أين يستكشف كونه واجدا للملاك؟ فإن ادّعي القطع بكونه باقيا على ملاكه وأنّ الأمر إنّما لم يشمله بإطلاقه لوجود المانع وهو تعلّق النهي ، لا لقصور في ملاكه وإلّا فهو على ملاكه ومصلحته فلا كلام لنا مع القاطع ؛ إذ القطع حجّة لكنّه لخصوص القاطع كصاحب الكفاية قدسسره.
وأمّا نحن فقد رجعنا إلى وجداننا فلم نجد لنا قطعا بذلك بل احتملنا أن لا يكون الفرد المزاحم ذا ملاك أصلا ، فلا بدّ لنا من برهان به نحرز الملاك ، وقد ذكروا لإحراز الملاك أمرين :
أحدهما : أنّ لكلّ لفظ دلالة مطابقيّة ودلالة اخرى التزاميّة والمراد بها ما يعمّ التضمّنيّة فإنّها أيضا التزاميّة ، ولا ريب في حجّية كلتا هاتين الدلالتين بنحو لا يفرّق بينهما في المحاورات أصلا بل يلتزم بهما في الأقارير كما هو ظاهر ، بل قد استدلّ الأئمة عليهمالسلام بجملة من الدلالات الالتزاميّة في القرآن ، كما في آيتي أقصى الحمل (١) وقوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها)(٢) على عدم كفاية العقد المنقطع في التحليل ، وحينئذ ففي الأمر المتوجّه بشيء دلالة مطابقيّة وهي كون ذلك الشيء في عهدة المكلّف ، ودلالة التزاميّة وهي وجود المصلحة في المأمور به ، فإذا كانت الدلالة المطابقيّة لا يمكن
__________________
(١) البقرة : ٢٣٣ ، والأحقاف : ١٥ ، وراجع تفسير كنز الدقائق ٩ : ٤٥٠ فقد ذكر أخبارا في تفسير الآية ، والكافي ١ : ٤٦٤ ، باب مولد الحسين عليهالسلام.
(٢) البقرة : ٢٣٠.