وبما أنّ ملاكهما باق فيستكشف العقل خطابا شرعيا لأحدهما الذي هو الجامع بينهما ؛ لأنّ تفويت الملاكين مع القدرة على أحدهما قبيح على الشارع.
وذهب آخرون منهم الميرزا النائيني قدسسره (١) إلى كون التخيير بينهما عقليّا بدعوى كون التزاحم بين إطلاقي الدليلين ، وأمّا تقيّد كلّ منهما بصورة ترك الآخر فلا تزاحم حينئذ بينهما ؛ إذ يكون كلّ منهما واجبا بشرط ترك الآخر ، وهو بشرط ترك الآخر مقدور ، فلا مقتضي لسقوط كلا الخطابين أصلا مع ارتفاع المحذور بسقوط إطلاقهما بما ذكرناه من التقييد.
ولا ريب أنّ الصناعة تقتضي الثاني فيكون المكلّف مخيّرا بين ترك هذا وفعل ذاك ـ لوجدان شرط وجوبه حينئذ ـ وبين العكس فالتخيير حينئذ عقلي بين فردي الواجب.
وقد ذكر الميرزا النائيني (٢) ثمرات للتفرقة بين التخييرين :
أحدها : أنّه على القول بالتخيير الشرعي لا يستحقّ تاركهما إلّا عقابا واحدا لترك الجامع المأمور به ، بخلافه على التخيير العقلي فإنّه إذا تركهما معا فقد وجد شرط وجوب كليهما فيستحقّ عقابين ، نعم لو اشتغل ـ عند ترك أحدهما ـ بفعل الآخر كان معذورا عن الآخر بالعجز عنه ، إلّا أنّه في ظرف عدم الاشتغال ليس له عذر.
وما يقال : من لزوم الأمر بالضدّين حينئذ ؛ لأنّه بترك الأوّل لم يسقط أمره فكيف يؤمر بالثاني؟ مدفوع بأنّ مآل ما ذكرنا إلى النهي عن الجمع بين التركين وهو أمر مقدور يمكن توجّه النهي نحوه ؛ لأنّه عند ترك أحدهما قادر على ترك الآخر وفعله معا فيتوجّه النهي عن تركه.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٤٦.
(٢) انظر المصدر المتقدّم.