ثانيها : ما إذا كان أحدهما محتمل الأهميّة بعينه دون الآخر ، فبناء على التخيير الشرعي يدخل تحت دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، فكلّ على مبناه من براءة واشتغال ، بخلاف ما إذا قلنا بالتخيير العقلي فيتعيّن محتمل الأهميّة حتّى على القول بالبراءة في تلك المسألة ؛ لأنّه لو أتى بغير محتمل الأهميّة يشكّ في الامتثال ؛ لاحتمال إطلاق دليل محتمل الأهميّة ؛ لأنّه على تقدير كونه أهمّ لا يقيّد إطلاق دليله ، بل يبقى على إطلاقه ، وإنّما يقيّد على تقدير التساوي في الواقع ، ففي صورة احتمال الأهميّة لا يحرز الامتثال بغير الأهمّ.
أقول : لا يخفى أنّ هذه الثمرة غير تامّة ؛ لأنّه وإن كان الاشتغال جاريا على التخيير العقلي إلّا أنّه على التخيير الشرعي أيضا كذلك وإن قلنا بالبراءة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، وذلك لأنّ البراءة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير إن كان الدوران للتردّد في مقام الجعل ، أمّا لو كان من جهة المزاحمة ـ كما في المقام ـ فإنّ المفروض كون كلّ من الخطابين في مقام الجعل تعيينيا ، وإنّما تحقّق الدوران بين التعيين والتخيير من جهة المزاحمة ، وحينئذ فإطلاق الدليل لا يحرز سقوطه إلّا إذا تحقّق التساوي في الملاك ، أمّا إذا لم يتحقّق فلا يعلم حينئذ التقييد فيبقى إطلاقه فلا يحرز الفراغ حينئذ إلّا بالإتيان بمتعلّقه ، فلا ثمرة بين القولين من هذه الجهة ، فافهم وتأمّل.
ثالثها : أنّا لو قلنا بالتخيير الشرعي بدعوى سقوط كلا الخطابين واستكشاف العقل حكم الشارع بالوجوب التخييري من جهة قبح تفويت الملاك الملزم ففي ما إذا كان الواجبان المتزاحمان طوليّين من حيث الزمان ، كأن وجب عليه التصدّق في هذا اليوم وفي غده إلّا أنّه لا يقدر عليهما معا ؛ لعدم المال ، وإنّما يقدر على أحدهما ، فعلى التخيير الشرعي له ترك التصدّق هذا اليوم فيتصدّق غدا ، بخلاف ما إذا قلنا بالتخيير العقلي فيتعين عليه فعل الأسبق زمانا ؛ لأنّ شرط تركه فعل الآخر ولم يتحقّق.