المقدّمة الثانية : إنّ العصيان الذي هو شرط الأمر بالمهمّ [هل](١) هو العصيان المقارن أو المتقدّم أو المتأخّر؟ الظاهر أنّه المقارن ؛ لأنّ هذا الشرط لم يرد في نصّ لينظر النصّ وما يقتضيه لسانه ، وإنّما اعتبر هذا الشرط لتحقّق القدرة على إتيان المهمّ ، ومن المعلوم أنّ العصيان المحقّق للقدرة هو العصيان المقارن للمهمّ ، فهو الشرط ليس إلّا ولا ربط للعصيان المتقدّم أو المتأخّر أصلا ، ومن هنا ظهر أنّ الشرط إنّما هو العصيان المقارن فليس العزم عليه شرطا كما في الكفاية (٢).
المقدّمة الثالثة : إنّ الإطاعة والعصيان إنّما تكون للأمر الموجود ، وإلّا فالأمر المفقود فعلا سواء كان متقدّما ثمّ انعدم أو متأخّرا بعد لم يحدث فلا معنى لإطاعته أو عصيانه ؛ إذ أين الأمر حتّى يطاع أو يعصى.
ومن هنا ظهر أنّ الأمر بالأهمّ والأمر بالمهمّ وعصيان الأهمّ وإطاعة المهمّ كلّها في زمان واحد ، فهي متقارنة بحسب الزمان وإن كانت متفاوتة بحسب الرتبة ؛ إذ الأمر بالمهمّ متأخّر عن الأمر بالأهمّ بمرتبتين : مرتبة وجوده ومرتبة عصيانه ، إلّا أنّ زمان الجميع واحد كما عرفت.
المقدّمة الرابعة : وهي أهمّ المقدّمات في مبحث الترتّب ؛ إذ بها يظهر أنّ القول بالترتّب يلزم منه الجمع بين الضدّين أم لا فنقول : إنّا قد أسلفنا مرارا أنّ الإطلاق والتقييد ليس بينهما تقابل العدم والملكة حتّى يكون استحالة أحدهما موجبا لاستحالة الآخر ، بل قد يكون نفي أحدهما موجبا لضرورية الآخر ، كما فصّلناه فيما سبق ، كما مرّ مرارا أيضا أنّ الإطلاق عبارة عن نفي القيود لا أنّ الإطلاق عبارة عن دخالة القيود بأسرها في الملاك ، ومرّ أيضا أنّ الانقسامات الأوّليّة والثانويّة لموضوعات الأحكام لا بدّ من كونها مأخوذة في موضوع الحكم واقعا ؛ لاستحالة الإهمال في الواقع كما مرّ.
__________________
(١) أضفناها لاقتضاء السياق.
(٢) انظر كفاية الاصول : ١٦٦ ـ ١٦٧.