وقد ذكر الميرزا النائيني قدسسره (١) مثالا لبيان أن ليس في الترتّب جمعا بين المتضادّين ولا بأس بذكره وهو أنّه لو قال المولى : ادخل المسجد فإن لم تدخل المسجد فصلّ على محمّد وآل محمّد خمس مرّات فلو أنّ هذا الشخص دخل المسجد وصلّى على محمّد وآله العدد المذكور فهل يعدّ هذا ممتثلا لكلا الأمرين؟ كلّا ، ولو كان الترتّب مقتضيا لطلب الضدّين لكان امتثالا لكلّ منهما ، كما لو كانا مطلقين ولم يقيّد أحدهما بعصيان الآخر وإن قيّد بغيره فإنّه حينئذ يكون امتثالا لكلّ منهما بلا ريب وتوقّف من جهة.
وبعبارة اخرى : أنّ الأمر بالواجبين إن كانا مطلقين فلا ريب في استحالته ؛ لكونه طلب الجمع بين الضدّين ، وكذا لو كانا معا مقيّدين بغير العصيان ، كأن يقول المولى : إن طلعت الشمس فتحرك نحو الجنوب ، وإن طلعت الشمس فتحرّك نحو الشمال ، وكذا لو كان أحدهما مطلقا والآخر مقيّدا بغير العصيان ضرورة أنّه بعد حصول القيد يتنافيان ، وإن كان أحدهما مطلقا والآخر مقيّدا بعصيان الأوّل وتركه فلا منافاة بين الأمرين حينئذ ؛ إذ إنّه ليس هنا طلب الجمع بين الضدّين وإن كان الأمران فعليّين ، والذي يدلّ أن لا أمر بالضدّين أنّه إمّا أن يأتي المكلّف بالأهمّ أو المهمّ أو بهما أو يتركهما معا ، فإن أتى بالأهمّ فقد ارتفع موضوع المهمّ وأصبح فاقدا للملاك ؛ لعدم حصول شرطه وهو عصيان الأهمّ ، فإنّ أمر الأهمّ دائما يدعو إلى إعدام موضوع المهمّ ، وإن أتى بالمهمّ بعد ترك الأهمّ فقد عصى الأمر بالأهمّ فتوجّه الأمر بالمهمّ لحصول موضوعه حينئذ ، وإن تركهما معا فقد استحقّ عقابين ، وإن فعلهما معا كان المهمّ لغوا غير مطابق للأمر المتعلّق به ؛ لفقد شرطه وهو موضوعه أعني عصيان الأهمّ وتركه.
وبالجملة ، فقد وقع الأمر بنحو الترتّب في العرف والشرع ، فقول الإنسان لابنه اذهب إلى المكتب وإن لم تذهب فاكتب في الدار صحيفتين مثلا فهل في هذا الكلام
__________________
(١) لم نقف عليه.