غير متنافيين ، بيان ذلك : أنّ الأمر بالضدّين إنّما يكون باطلا إذا كان مستلزما لطلب الجمع بين الضدّين وإلّا فنفس طلب الضدّين بنحو الترتّب لا محذور فيه ؛ لأنّه ليس طلبا للجمع بينهما ، بل إنّ المهمّ مشروط بعصيانه الأهمّ فكيف يكون طلبا للجمع؟
وأوضح مثال به يتّضح عدم المنافاة مثال عرفي وهو ما لو كان شخص مريدا بيع داره فأراد جاره الذي هو على يمينه أن يشتريها وأراد جاره الذي هو على اليسار أن يشتريها أيضا فبينهما تمام المعارضة والمنازعة ، فإذا جاءه رجل ثالث فقال لصاحب الدار إن لم تبع دارك من أحد هذين فبعها لي فهل بين هذا الثالث وبين الأوّلين معارضة أو منافاة؟ وهل يتعرّضه أحدهما؟ كلّا ثمّ كلّا ، فهذا دليل أنّ الأمرين بنحو الترتّب لا مانع منهما ؛ لعدم المنافاة حينئذ.
ومن هنا ظهر أنّ ما ذكره في الكفاية (١) من أنّه وإن لم يكن في مرتبة طلب الأهمّ طلب للمهمّ إلّا أنّه في رتبة طلب المهمّ طلب الأهمّ محفوظ فهذا هو المانع ليس كما ينبغي ؛ فإنّ القائل بالترتّب ليس منكرا لوجود أمرين ، بل لا يرى بينهما منافاة.
وكذا ما ذكره صاحب الكفاية (٢) ثانيا من أنّ القائل بالترتّب لا ينكر كونه طلب المحال إلّا أنّه لا يرى به بأسا إذا كان سببه المكلّف نفسه ، فإنّه لو لم يترك الأهمّ لم يقع في محذور طلب المحال ، وردّه قدسسره على القائل بذلك بأنّ طلب المحال محال على كلّ حال وإن كان سببه المكلّف نفسه أيضا ليس كما ينبغي ، فإنّ القائل بالترتّب ليس يرى في اجتماع الأمرين محالا ، ولا يرى بين الأمرين تنافيا حتّى يدّعي أنّ المحال إذا كان سببه المكلّف فلا يضرّ ، بل لا يرى منافاة ولا ممانعة.
__________________
(١) انظر الكفاية : ١٦٧.
(٢) انظر المصدر السابق.