أقول : إن رجع هذا القول إلى القول الأوّل وهو كون الواجب معيّنا عند الله غير معيّن عندنا فجوابه جوابه ، وإلّا فلا يعقل أن يتعلّق الوجوب بأمر ليس له تحقّق في الواقع أصلا ، فإنّ واقع أحدهما ليس له وجود أصلا.
وذهب بعض المحقّقين ـ قدسسره ـ إلى أنّ الواجب التخييري هو أن يكون في كلّ من الواجبين ملاك ملزم ، إلّا أنّ الله تعالى إرفاقا بعبده يسقط عنه وجوب الثاني عند إتيانه بالأوّل (١).
وفيه أوّلا : أنّ الواجب التخييري ليس أمرا مبهم الحقيقة ، بل هو أمر نعرفه بوجداننا عند أمرنا بشيئين على سبيل التخيير فإنّا لا نرى أنفسنا قد أوجبنا وجوبين نسقط الثاني على تقدير الإتيان بالأوّل إرفاقا بالمأمور.
وثانيا : أنّ لازم ذلك هو أنّه لو تركهما معا لاستحقّ عقابين لتفويته لملاكين ملزمين على هذا ، ولا يلتزم به هذا المحقّق.
فالتحقيق في الجواب أن يقال : إنّ الواجب التخييري يمكن أن يكون بنحو تكون هناك مصلحة في الجامع بين هذه الخصال المذكورة في لسان الشارع المقدّس ، ويمكن أن يكون الواجب هو ذلك الجامع ، وهو في هذه المقامات مفهوم «أحدها» الذي هو من المفاهيم الانتزاعيّة المنطبقة على أيّ الخصال الموجودة في الخارج.
لا يقال : إنّ مفهوم أحدها لا يمكن أن يتوجّه التكليف ويتعلّق الاعتبار بها.
فإنّه يقال : إنّ هذا المفهوم قابل لتعلّق الصفات الحقيقيّة به مثل تعلّق العلم الإجمالي في أطراف العلم الإجمالي فإنّ المعلوم الإجمالي هو مفهوم أحدها ، وكذا يتعلّق الشوق مثلا بأحد الطعامين من غير مرجّح له على عدله ، وكذا نعلم عدالة أحد الرجلين وغيرها من الأمثلة ، فإذا تعلّق الصفات الحقيقيّة بهذه المفاهيم
__________________
(١) انظر نهاية الدراية ٢ : ٢٧١.