فلا مانع من جواز تعلّق الوجوب بمفهوم «أحدها» وهو كلّي انتزاعي يتعلّق به الوجوب ، ووجوده في الخارج بوجود أفراده. فالظاهر أنّ الواجب التخييري ليس إلّا وجوب الجامع المنطبق على كلّ واحد من الأفراد ، ويكون التخيير بين الأفراد عقليّا.
والفرق بين التخيير الذي اصطلح عليه الأصحاب أنّه شرعي ـ كما في المقام ـ والذي اصطلحوا عليه أنّه عقلي هو : أنّه إن عبّر عنه بلفظ بسيط كالصلاة مثلا فالتخيير عقلي ، وإن عبّر عنه في لسان الشارع بألفاظ كالخصال في الكفّارة كان تخييرا شرعيّا من غير فرق بينهما في الأثر أصلا ، فافهم. كما أنّه يمكن الفرق بأنّ التخيير العقلي ما يكون تطبيق أفراده بنظر العقل وهنا بيان الأفراد إلى الشارع ثمّ بعد بيان الأفراد ينتزع الجامع بينها ، وهذا هو حقيقة الواجب التخييري بحيث ليس له حقيقة غيرها فإنّا إذا راجعنا أنفسنا لا نجد غير ذلك في أوامرنا العرفيّة.
ودعوى : أنّ هذه الخصال في الكفّارة لا جامع بينها بل لا يتصوّر. مدفوعة بأنّ هذا إنّما يخلّ بالجامع الحقيقي لا الانتزاعي.
بقي الكلام في أنّه هل يمكن التخيير بين الأقلّ والأكثر أم لا يمكن فلا بدّ من حمل الأقلّ على الوجوب والأكثر على الاستحباب؟ يعني على استحباب الزيادة.
فنقول : إنّ الأقلّ والأكثر يختلف : فقد يكون الأكثر بنفسه وجودا واحدا والأقلّ وجودا واحدا أيضا بحيث ليس الأقلّ في ضمن الأكثر بل هما وجودان أحدهما أقلّ من الآخر ، كما في الخطّ الطويل بمقدار شبر والخطّ القصير بمقدار نصف شبر ، فإنّه لو أمر المولى برسم واحد من خطّين أحدهما بقدر شبر والآخر بمقدار نصفه فهذا لا ريب في صحّته وإمكانه ، لكنّه في الحقيقة تخيير بين المتباينين ؛ لأنّ القصير له وجود آخر ليس في ضمن الأكثر.