فالظاهر أنّ مفاد النهي إنّما هو الزجر كما أنّ مفاد الأمر هو البعث ، ومتعلّقهما نفس الطبيعة التي إن كانت محبوبة فهي متعلّق الأمر ، وإن كانت مبغوضة فهي متعلّق النهي ، فإنّ ظاهر النهي صدوره عن مبغوضيّة في العمل كما أنّ صدوره الأمر إنّما هو ظاهر في محبوبيّة الفعل نفسه.
نعم ، يمكن أن يكون في الترك مصلحة كتروك الإحرام وفي الفعل مفسدة فيكون الترك حينئذ واجبا ـ ولذا عدّ تروك الإحرام من واجبات الإحرام ـ إلّا أنّ الظاهر خلافه بحيث كان محتاجا إلى القرينة.
ثمّ إنّ ما كان الترك فيه واجبا يكون على أنحاء ثلاثة :
أحدها : أن يكون الترك واجبا بنحو الانحلال ، كأن يكون لكلّ واحد من التروك أمر مستقلّ.
وثانيها : أن يكون بنحو العموم المجموعي ، فيكون للجميع إطاعة واحدة أو عصيان واحد.
وثالثها : أن يكون المطلوب خلوّ الصفحة عن وجود هذه الطبيعة ، فيكون الواجب ترك كلّ منضمّا إلى بقيّة التروك ، بنحو يكون الواجب هو الأمر البسيط المنتزع من هذه التروك أو الملازم لها.
وتظهر ثمرة هذه الأقسام في الشبهة المصداقيّة ، فلو شكّ في ترك من التروك أنّه من أفراد تروك تلك الطبيعة أم لا؟
فعلى الأوّل تجري البراءة فيه باتّفاق المحدّثين والاصوليين.
وإن كان من قبيل الثاني بنى على أنّ المجرى فيما إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر هو البراءة أو الاشتغال.
وإن كان من قبيل الثالث فلا ريب في إجراء قاعدة الاشتغال ، للشكّ في حصول ذلك العنوان البسيط بمجرّد بقيّة أفراد التروك ، والشغل اليقيني محتاج إلى فراغ يقيني.