ثمّ إنّه بعد ما ذكرنا من أنّ متعلق الأمر ومتعلّق النهي واحد وأنّها الطبيعة المطلقة فربّما يشكل بأنّه لما ذا في صورة الأمر بالطبيعة يكتفى بفرد واحد في مقام الامتثال ولا يكتفى في صورة النهي بترك واحد مع أنّ متعلّق كلّ من الأمر والنهي واحد وما هو المائز بين المقامين؟
وقد أجاب عن هذا صاحب الكفاية قدسسره (١) تبعا لغيره (٢) بأنّ الطبيعة توجد بأوّل الأفراد ولا تعدم إلّا بانعدام جميع الأفراد ، فهذا هو الفارق بين المقامين.
أقول : لا يخفى أنّ الطبيعة لها وجودات بعدد أفرادها ، ففي صورة الأمر يصدق وجدت الطبيعة باعتبار وجودها في ضمن الفرد الموجود ، ويصدق أنّها معدومة في ضمن الفرد الذي لم يتحقّق ، وكذا الكلام في متعلّق النهي ، فإنّه إن ترك أحد أفراد متعلّق النهي وأوجد فردا فقد ترك الطبيعة في ضمن الفرد المتروك وأوجدها في ضمن الفرد الموجود أيضا. فدعوى أنّها توجد بأوّل الوجودات ، كلام شعري فإنّها حينئذ يصدق أنّها موجودة ومعدومة ، كما في صورة النهي يصدق أنّه ترك الطبيعة بترك فرد تتحقّق الطبيعة في ضمنه ، وأوجد الطبيعة باعتبار الفرد الآخر الذي وجدت الطبيعة في ضمنه ، والطبيعة مع قطع النظر عن الأفراد لا وجود لها ، وباعتبار الأفراد تابعة لتلك الأفراد في الوجود والعدم.
فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ الفارق بين الأمر والنهي هو وجود القرينة على كون المتعلّق في النهي مأخوذا بنحو الطبيعة السارية ، وفي الأمر مأخوذ بنحو صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات ، والقرينة أمران :
الأوّل : أنّ الغالب في الغرض أو المصلحة الداعية إلى الأمر تحقّقها بصرف الوجود ، بحيث تكون هذه الغلبة قرينة عامّة عند المتكلّم والمخاطب لا يعدل عنها إلّا
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٨٣.
(٢) انظر هداية المسترشدين ٣ : ٢٦.