بقرينة خاصّة كأن يقول : «ائتني بماء» مرّتين ، فهذا هو الذي اقتضى الكفاية في الأوامر بصرف وجود المتعلّق ، وهذا بخلاف النواهي فإنّ الغلبة فيها بعكس ذلك فإنّ الغرض والمفسدة الباعثين على الزجر غالبا قائمان بمطلق وجود تلك الطبيعة ، بحيث كانت هذه الغلبة قرينة عامّة لا يعدل عنها إلّا بقرينة خاصّة على خلافها ، فهذا هو السبب في ذلك. (وهذا الوجه مبنيّ على القول بوجود المصالح والمفاسد في متعلّقات الأحكام لا فيها نفسها كما اخترناه في الأحكام الظاهريّة ، مع أنّ الملاك إنّما يعرف بالأمر والنهي ولا طريق إلى معرفتهما غيره ، والمفروض أنّ مفادهما واحد فيعود السؤال عن الفرق بين الأمر والنهي) (١).
الأمر الثاني : ممّا هو قرينة لذلك هو أنّه في مقام الأمر حيث إنّ تمام أفراد المأمور به غير مقدورة للمكلّف فالأمر لم يتعلّق بها قطعا ، فامتنع كون متعلّق الأمر مأخوذا بنحو مطلق الوجود أينما سرى ، فتعيّن كونه مأخوذا بنحو صرف الوجود.
وفي مقام النهي حيث إنّ ترك بعض أفراد المتعلّق لا بدّ منه حتّى لو لم ينهه عنه فلا بدّ من كون المنهيّ عنه مطلق الوجود ؛ إذ لو كان خلوّ صفحة الوجود من فرد ما وافيا بغرض المولى لم يحتج إلى النهي ؛ لانتراك البعض قهرا فيحصل الغرض ، فتوجّه النهي كاشف عن كون الغرض متعلّقا بانعدام كلّ فرد من أفراد المتعلّق في النهي. وهذه القرينة عامّة لا تختصّ بخصوص الأوامر والنواهي ، بل هي جارية حتّى في الإخبارات ، فمن قال : عندي درهم ، بما أنّ وجود كلّ درهم عنده مستحيل عقلا فلا بدّ من كون إخباره بصدد صرف الدرهم المنطبق على أوّل الوجودات من الدراهم ، بخلاف ما إذا قال : ليس عندي درهم ، فإنّ فقدانه لبعض دراهم العالم غير محتاج إلى أخبار لمعلوميّته ، فلا بدّ من أن يكون بصدد الإخبار عن خلوّ صفحة الوجود عن درهم عنده ، فيكون مفاده نفي الوجود الساري ، هذا كلّه في الأفراد الدفعيّة.
__________________
(١) ما بين القوسين من اضافات بعض الدورات اللاحقة.