فإنّه يقال : نعم ، الأمر كما ذكرتم والتعبير بالاجتماع مسامحة إلّا أنّ الأمر إذا توجّه نحو الطبيعة فلازمه الترخيص في التطبيق حينئذ على تمام أفرادها ، وهو لا يجتمع مع التحريم المتوجّه نحو بعض الأفراد ؛ إذ الترخيص والتحريم لا يجتمعان في فرد ، وهذا هو المانع من الاجتماع هناك ، بخلاف النهي التنزيهي فإنّه يجتمع مع الترخيص قطعا.
ومن هنا ظهر : أنّ الاستدلال بالعبادات المكروهة على جواز اجتماع الأمر والنهي التحريمي ليس بصحيح ؛ إذ النهي التنزيهي يجتمع مع ترخيص التطبيق بخلاف النهي التحريمي. هذا كلّه مع وجود المندوحة بوجود ماء آخر غير المسخّن في الشمس ، أمّا إذا لم يكن غيره فلا ريب في ارتفاع كراهة خصوص هذا الفرد ؛ إذ لا يعقل حينئذ توجّه النهي التنزيهي عن خصوص هذا الفرد فلا يبقى إلّا ترخيص تطبيق الواجب عليه ، هذا تمام الكلام في القسم الأوّل.
وأمّا ما توجّه النهي فيه على ذات العبادة لكن مع وجود البدل له ، كما في : لا تصلّ في الحمام ، فيسري فيه عين الكلام المذكور في هذا القسم ، من كون النهي متوجّها نحو خصوص هذا الفرد لانحلاله ، ولكنّ الأمر متوجّه نحو صرف الطبيعة فلا يسري إلى الفرد ؛ إذ الطبيعة بما هي مأمور بها لا تسري إلى الفرد كما تقدّم ، ولو انحصر كما لو كان في آخر الوقت بحيث كان الخروج من الحمّام مفضيا للوقوع في خارج الوقت ارتفعت الكراهة حينئذ.
ويحتمل أن يكون مراد من قال : «إنّ الكراهة في العبادات بمعنى قلّة الثواب» هو ما ذكرنا ، بمعنى أنّ تطبيق الطبيعة على هذا الفرد أقلّ ثوابا من تطبيقه على غيره ممّا لا يبتلى بمزاحمة هذه الحزازة ، وإلّا فكون العبادة مكروهة بمعنى كونها أقلّ ثوابا من غيرها من الأفراد يفضي إلى تأسيس فقه جديد ، فتأمّل وافهم.
وأمّا القسم الثالث : وهو ما كان العنوان الذي تعلّق به النهي التنزيهي هو الذي تعلّق به الأمر إلّا أنّه لا بدل له ، كما في صوم يوم عاشوراء والصلاة عند طلوع الشمس وغروبها ؛ فبما أنّ الأمر في المقام ليس مأخوذا بنحو صرف الوجود ،