بل بنحو ينحلّ إلى كلّ فرد فرد من أفراد الطبيعة نظير النهي ، وحينئذ فالأمر والنهي قد تعلّقا بفرد واحد ، النهي به بخصوصه والأمر بانحلال أمر الصوم في مثله إلى كلّ فرد ، فما ذكر من التخلّص في القسم الثاني لا يتصوّر هنا.
وأحسن ما قيل في التخلّص في هذا القسم هو ما ذكره الشيخ الأنصاري قدسسره (١) : من كون النهي في المقام ليس ناشئا عن مفسدة في الفعل على غرار سائر النواهي ، وإنّما النهي هنا للإرشاد إلى ما في ترك الصوم في المقام من المصلحة الأقوى الآكد ، كما يظهر من مداومة الأئمّة عليهمالسلام على الترك وأمرهم شيعتهم بذلك ، فيكون الإفطار مستحبّا آكد من استحباب الصوم فيكونان من قبيل المستحبّين المتزاحمين ؛ ولهذا لو صام لحصل الثواب المعدّ لصوم أيّ يوم من أيام السنة بلا منقصة في صومه ، وحينئذ فمتعلّق الأمر غير متعلّق النهي ، كما أنّ متعلّق النهي غير متعلّق الأمر ، فالأمر بالصوم والنهي إن قلنا بأنّه طلب الترك فهو على حقيقته طلب الإفطار على هيئة خاصّة من الأكل آخر النهار ، وإن قلنا بأنّه زجر عن الفعل فقد استعمل في الإرشاد إلى ما في الترك من المصلحة بهذه القرينة العقليّة ، وهي استحالة توجّه الأمر والنهي ولو تنزيهيّا نحو عمل واحد.
وقد أورد الميرزا النائيني (٢) بأنّ الأمر بأحد الضدّين اللذين ليس لهما ثالث محال تعيينا لكونه طلب المحال ، وتخييرا لكونه طلب الحاصل ؛ إذ المكلّف لا يخلو من الفعل أو الترك كما في مثل النقيضين عينا.
والجواب : أنّ الصيام مع النيّة للتقرّب أمر محبوب ، والإفطار المتعارف أيضا محبوب ، وهناك ضدّ ثالث لهما وهو الإمساك بغير نيّة التقرّب إلى الليل وإن تحقّق القصد إلى الصوم ؛ لأنّه هو الكفّ ، ومن ثمّ عدّ من الواجبات فيمكن أن يأمر بالضدّين تخييرا لئلّا يفعلا الضدّ الثالث فأين اللغويّة؟
__________________
(١) انظر مطارح الأنظار ١ : ٦٤٥ ـ ٦٤٦.
(٢) انظر أجود التقريرات ٢ : ١٧٣.