فالظاهر : أنّ ما ذكره الشيخ قدسسره متين جدّا ، وحيث إنّ الميرزا النائيني قدسسره (١) لم يرتض جواب الشيخ المذكور فقد استقلّ قدسسره بجواب موقوف على مقدّمة مهّدها قدسسره ملخّصها : أنّ الأمرين إذا توجّها إلى شيء واحد ، فإمّا أن يكونا عرضيّين بمعنى كونهما متعلّقين بشيء واحد ذاتا ، وإمّا أن يكونا طوليّين.
فإن كانا عرضيّين ، كما إذا نذر المكلّف صلاة الليل مثلا فهنا أمران : أحدهما : استحباب صلاة الليل النفسي. وثانيهما : وجوب ذات صلاة الليل من جهة النذر. وفي مثل المقام يسري الوجوب إلى الأمر الاستحبابي ، كما تسري تعبّديّة الأمر الاستحبابي إلى وجوب الوفاء بالنذر ، فيكون توصّليّا.
وإن كانا طوليّين ، كما إذا استؤجر زيد على زيارة الحسين عن عمرو فهنا الأمر الإيجاري طولي ؛ لأنّه يجب الوفاء بالعقد الذي استؤجر عليه ، وهو العمل المستحبّ لذات المنوب عنه ، فالأمر الإيجاري قد تعلّق الأمر الاستحبابي بذات المنوب ، فإنّه استؤجر على تفريغ ذمّة المنوب عنه عن هذا العمل المستحبّ في حقّ المنوب عنه فهو طولي ، وفي مثل هذا المقام لا تتحقّق سراية من أحد الأمرين إلى الثاني ولا اندكاك ؛ لأنّ متعلّق أحدهما مغاير لمتعلّق الآخر ، فإنّ متعلّق الأمر الأوّل هو ذات العمل ومتعلّق الأمر الاستيجاري هو العمل الذي طلب من عمرو في ذمّته.
إذا عرفت هذه المقدّمة فقد ذهب الميرزا النائيني (٢) إلى أنّ القسم الثالث من قبيل الأمرين الطوليّين وأن لا منافاة بينهما ، فإنّ الأمر الاستحبابي المتوجّه إلى صوم يوم عاشوراء بمقتضى الانحلال يقتضي استحباب ذات الصوم في هذا اليوم ، ولكنّ النهي التنزيهي متّجه إلى الصوم المستحبّ المقصود به الامتثال ، فصار متعلّق أحدهما غير متعلّق الآخر فلا سراية أصلا.
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٢ : ١٧٤ ـ ١٧٥.
(٢) انظر أجود التقريرات ٢ : ١٧٦.