بقي شيء قد أسلفنا الإشارة إليه فيما سبق وهو : أنّ المضطرّ إلى المكث في المكان المغصوب هل يجب عليه الاقتصار على أقلّ ما تندفع به الضرورة فلا يجوز له أن يصلّي بركوع وسجود أم يجوز له أن يصلّي بركوع وسجود عاديّين؟ فنقول : إنّ هنا امورا ثلاثة :
أحدها : شغل الجسم للحيّز ، وهذا لا يفرق فيه بين جميع هيئات المكلّف من قيام وجلوس وغيرهما ، فإنّ مقدار الحيّز لا يختلف كثرة وقلّة فليس مانع من أن يصلّي من هذه الجهة.
ثانيها : المماسّة للأرض حال السجود ، وهذا وإن زاد حال السجود عنه حال القيام ؛ لأنّه حال القيام لم يمسّ الأرض إلّا بقدميه بخلافه حال السجود فإنّ المساجد السبعة حينئذ تمسّها إلّا أنّ مجرّد المماسّة ليست تصرّفا عرفيّا ، ومن ثمّ لا يقال لمن مسّ جدار الغير : إنّه تصرّف فيه ، فلا مانع من الصلاة العاديّة من هذه الجهة أيضا.
ثالثها : الاعتماد ، وهذا أيضا ليس مانعا ؛ لأنّ الثقل للإنسان لا يزيد حال جلوسه ، بل إنّ ثقله واحد سواء كان حال القيام والاعتماد على القدمين أم كان حال الجلوس والاعتماد على مجموع الرجلين أم حال الجلوس والاعتماد على المساجد السبعة ، فإنّ الثقل واحد ولا يتفاوت بتفاوت الحالات.
وقد أسلفنا ما نقله صاحب الجواهر ١ في هذه المسألة من أنّ تكليف الله عبده المحبوس بأن يقتصر على مقدار ما يضطرّ إليه من الوقوف على أطراف أصابعه أوّلا ثمّ إذ صار عسرا وحرجيّا ينتقل إلى تمام الأصابع وهكذا ... حبس أشد من حبس الظالم له (١). هذا تمام الكلام في الغفلة والنسيان والاضطرار حيث لا يكون بسوء الاختيار ، وقد تلخّص أنّ مقتضى القاعدة في مثلها ممّا رفع فيه الحكم الواقعي هو الصحّة ، بخلاف الجهل فإنّ رفع الحكم فيه ظاهري رافع للإثم ولكن المبغوضيّة باقية.
__________________
(١) انظر الجواهر ٨ : ٣٠٠.