الترخيص في تطبيق الواجب عليه ممّا لا يجتمعان ، فبدلالة الملازمة لا يكون واجبا ، ومن المعلوم أنّ الدلالة الالتزاميّة تتبع المطابقة حدوثا وبقاء. فإذا فرض ارتفاع التحريم الذي هو المدلول المطابقي واقعا يرتفع لازمه واقعا أيضا ؛ لأنّ المانع عن الاتّصاف بالوجوب هو ، فإذا ارتفع ارتفع عدم الوجوب أيضا فيكون واجبا فيجزي حينئذ. وهذا نظير التخصيص ، فإنّ المخصّص إذا خصّص «أكرم العلماء» أو قيّد إطلاق «أكرم عالما» ب «لا تكرم زيدا» فهو يقتضي خروج زيد من أوّل الأمر غايته أنّ الكاشف صدر الآن ، فإذا فرضنا أنّ المخصّص قد خصّص فلا مانع حينئذ من بقاء هذا المخصّص تحت عموم العامّ ؛ لأنّ المانع كان هو المخصّص الأوّل وهذا الفرد كزيد يوم الجمعة قد خصّص من لا تكرم زيدا فزيد يوم الجمعة داخل تحت عموم أكرم العلماء من أوّل الأمر. فلا فرق بين التخصيص وبين حديث الرفع الحاكم على العناوين الأوّلية ، فإنّه مثمر لنتيجة التخصيص.
وتوهّم الفرق بين التخصيص الذي هو عدم الحكم من أوّل الأمر وبين حديث الرفع فإنّ الرفع إنّما يصدق مع تحقّق المقتضي وهو المبغوضيّة ومع تحقّق المبغوضيّة كيف يحكم بتحقّق الترخيص في تطبيق الواجب على ما هو مبغوض؟
مندفع بأنّ المقتضي متحقّق وهو المفسدة لا المبغوضيّة ، وهذه المفسدة قد تدوركت بالمصلحة الأقوى ، وهي مصلحة التسهيل على هذه الامّة المرحومة التسهيل الذي لم يكن على من تقدّمها من الامم. فلا فرق بين التخصيص وما نحن فيه في أنّه لا مبغوضيّة حين الاضطرار أو الإكراه أو النسيان ممّا رفع الحكم فيه بالتحريم واقعا وثبتت فيه الحلّية الواقعيّة ، كما هو صريح قوله عليهالسلام : ما من محرّم إلّا وقد أحلّه الله في حال الضرورة ، فإنّ مقتضى هذا الحديث أنّ الحلّية المجعولة من سنخ التحريم المرتفع في حال الاضطرار لا بسوء الاختيار.