فلا ريب في صحّة ذلك الواجب ؛ لأنّ مزاحمة التحريم إنّما هي في صورة الوصول ، أمّا في صورة عدم الوصول فلا مزاحمة أصلا. وكذا الكلام في الأمر حيث يكون نفسيّا دالّا على وجوب واجب آخر أهمّ فإنّ مزاحمته للواجب الثاني إنّما هي فرع للوصول إلى المكلّف ، فلو لم يصل فلا مزاحمة ، ومن هنا حكمنا بصحّة الضدّ في صورة الجهل مع قطع النظر عن الترتّب.
واخرى يكون من باب المعارضة كما في مثل المقام فهل يلحق هذا القسم بالأوّل أم بالثاني؟ ذهب المشهور إلى اللحوق بالثاني ، وذهب الميرزا النائيني قدسسره إلى اللحوق بالأوّل ، وحاصل ما أفاده في وجه ذلك هو : أنّ التحريم قد يكون في عرض عدم الوجوب وقد يكون في طوله ، مثلا أنّ النهي في المقام إن قلنا بأنّه مقدّمة لرفع الوجوب لأهميّته ووجود أحدّ الضدّين مقدّمة لعدم ضدّه فالتحريم في طول عدم الوجوب ؛ لأنّه مقدّم عليه رتبة. وإن قلنا بأنّ النهي دالّ على التحريم ويلزمه عدم الوجوب فهما مدلولان عرضيّان للنهي ، وحيث بنى المشهور على الأوّل فارتفاع التحريم يقتضي ارتفاع عدم الوجوب فيعود الوجوب ؛ ولذا أفتوا بالصحّة في الفرض ، وحيث إنّ هذا المبنى فاسد عندنا وإنّ أحد الضدّين ليس مقدّمة لعدم الآخر وكذا العكس فهما في رتبة واحدة ومدلولان لدليل واحد فإذا جاء حديث الرفع فإنّما يرفع التحريم فلا يرتفع عدم الوجوب فيكون غير واجب فيكون باطلا (١) ، هذا ملخّص ما أفاده قدسسره.
أقول : ما أفاده قدسسره من كون عدم الضدّ في رتبة الضدّ الآخر ، متين جدّا. وكذا كون عدم الوجوب مع الحرمة في رتبة واحدة أيضا متين إلّا أنّه في مقام الثبوت فإنّهما في رتبة واحدة فيها ، وأمّا في مقام الإثبات فلا فإنّ دلالة النهي على التحريم مطابقة ودلالته على عدم الوجوب من جهة الملازمة ؛ إذ التحريم للفرد مع إيجابه أو
__________________
(١) فوائد الاصول ١ و ٢ : ٤٦٧.