وذهب صاحب الكفاية قدسسره إلى أنّه غير محكوم بحكم أصلا وإن كان مبغوضا للنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار ، وأنّ حكم العقل بالخروج حذرا من الوقوع في أشدّ القبيحين وتخلّصا بأخفّ القبيحين (١). فهذه الخمسة هي جملة الأقوال في المسألة.
أمّا القول الأوّل فمبنيّ على جواز التكليف بالمحال إذا كان المكلّف سببا له ، وهو باطل ، بل الظاهر أنّ التكليف بالمحال قبيح على كلّ حال لا يصدر من حكيم أصلا ؛ ولذا لا يحسن من المكلّف أن يقول : «إذا صعدت السطح فطر إلى السماء ، أو فاجمع بين النقيضين» وحينئذ فلا يمكن أن يكلّف المولى بعمل لا يقدر عليه المكلّف في هذا الحال ؛ لأنّ التكليف بعث وتحريك فلا بدّ أن يكون إلى عمل يمكن البعث نحوه والتحريك إليه.
وأمّا القول الثاني فيرد عليه :
أوّلا : أنّه إن كان الخروج محبوبا فما معنى إجراء حكم المعصية عليه ، وإن كان مبغوضا فما معنى الأمر به.
وثانيا : أنّه تكليف بالمحال.
وثالثا : أنّه لا مقتضي للأمر كما سيأتي.
وأمّا القول الرابع ـ وهو أنّه مأمور به ومنهيّ عنه وهو ما ذهب إليه الميرزا القمّي تبعا لأبي هاشم الجبائي ـ فيرد عليه :
أوّلا : أنّه لا مقتضي للأمر.
وثانيا : أنّه طلب الضدّين واختلاف زمان صدور الأمر مع زمان صدور النهي لا يجدي مع اتّحاد زمان المتعلّق وإنّما يجدي اختلاف زمان المتعلّق وإن اتّحد زمان صدورهما ؛ لأنّ الأحكام التكليفيّة ناشئة من مصالح ومفاسد في المتعلّق
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٢٠٤.