وأمّا التنزيهي فهو على قسمين :
أحدهما : أن يكون نهيا عن تطبيق الواجب على هذا الفرد بحيث يكون الأمر متّجها نحو طبيعة بنحو صرف الوجود ، ومقتضاه الترخيص في التطبيق على جميع الأفراد ، والنهي التنزيهي لا يمنع من ذلك ، إذ فيه أيضا ترخيص في الفعل المنهيّ عنه بالنهي التنزيهي. فهذا الفرد من النهي التنزيهي خارج عن محلّ الكلام ، إذ لا منافاة فيه للأمر إذ لا جمع للضدّين ، إذ الفرض توجّه الأمر نحو الطبيعة لا الأفراد ، وتوجّه النهي التنزيهي نحو فرد لا ينافي الترخيص في التطبيق المستفاد بالملازمة من الأمر بالطبيعة المطلقة.
الثاني : أن يكون الأمر والإيجاب متوجّها نحو كلّ فرد بنحو العموم الاستغراقي ، كما إذا قال : أكرم كلّ عالم. والنهي التنزيهي في المقام عن فرد من أفراد العالم يؤدّي إلى اجتماع الوجوب والكراهة في فرد واحد بخصوصه ، وهو معنى اجتماع الضدّين ، إذ الأحكام الخمسة متضادّة بأسرها. والظاهر أنّ مراد الآخوند قدسسره بعموم ملاك المنع هذا القسم من التنزيهي لا الأوّل ، إذ هو بمثابة اجتماعهما في فرد بخصوصه وبطلانه غنيّ عن البيان.
الجهة الرابعة : في بيان مركز النزاع ، وقد ذكر الآخوند قدسسره أنّ المراد بالعبادة إمّا العبادة الذاتيّة ـ كالخضوع والسجود لله تعالى ـ أو ما لو أمر به لكان أمره عباديّا لا يسقط إلّا بقصد القربة كصلاة الحائض وصوم يومي العيدين لا العبادة التي أمر بها بالفعل ؛ لاستحالة اجتماع الأمر والنهي عن عبادة بعنوان واحد (١).
والظاهر : أنّ المراد من العبادة ما كان التقرّب بها إلى الله هو الأثر المقصود منها وإن كان بعد توجّه النهي يكون التقرّب بها إلى الله مبغوضا في تلك الحال مثلا أو من ذلك الشخص أو في هذا اليوم ، فإنّ الظاهر أنّ صوم العيدين إنّما حرم بقصد التقرّب
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢١٨ ـ ٢١٩.