أمّا الكلام في المقام الأوّل فقد تطلق الصحّة في قبال العيب فيقال : هذا الكأس صحيح وذاك معيب ، ومعلوم عدم إرادة هذا المعنى منه في المقام ؛ إذ لم يدّع أحد دلالة النهي على العيب ، بل المراد الصحّة في مقابل الفساد اللذان هما منتزعان من ترتّب الأثر المقصود من ذلك العمل وعدم ترتّبه.
توضيح ذلك : أنّ العمل قد يكون بسيطا غير مركّب ولا مشروط ، وهذا لا يتّصف بالصحّة والفساد ، بل بالوجود والعدم. وقد يكون مركّبا مقيّدا لكنّ الأثر لا يترتّب على المجموع بل كلّ جزء له أثر نظير الدار فإنّها بفقد السرداب لا تكون فاسدة ولا بوجوده صحيحة ؛ لأنّ الأثر المطلوب منه ليس مستفادا من المجموع بل من كلّ جزء بالإضافة إلى أثره ، وهذا لا يقال له : فاسد عند فقده جزءا أو شرطا. وكذا الكلام في الكتاب حيث ينقص ورقة مثلا إذا لا يفوت إلّا الأثر المترتّب على خصوص هذه الورقة المفقودة دون الأثر المترتّب على بقيّة الأوراق.
ومن هنا ظهر : أنّ الصحّة والفساد ليستا بمعنى التماميّة والنقصان وإلّا لصدقت الصحّة والفساد بالإضافة إلى الكتاب. كما أنّه قد يكون الأثر مترتّبا على المجموع لكن ليس أثر مقصودا ومحبوبا للمولى كما في موضوعات التكليف كما في الرجل المستطيع فإنّه وإن كان الأثر المقصود منه في المقام هو ترتّب وجوب الحجّ عليه إلّا أنّ وجوب الحجّ عليه ليس أثرا مقصودا محبوبا للشارع ؛ لأنّ الإيجاب ليس محبوبا وإن كان يتحقّق بتحقّق موضوعه. ومن هنا لا يقال للرجل المستطيع : إنّه صحيح ، ولا لفاقد الاستطاعة : إنّه فاسد ، وإلّا لفسدت الطلبة بأسرها ، بل المراد بالصحّة والفساد ترتّب الأثر المقصود من المركّب المحبوب عند تحقّقه.
فظهر ممّا ذكرنا أمران :
أحدهما : أنّ الصحّة والفساد ليس بمعنى التماميّة والنقصان ، كما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١).
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٢٠.