دلّت قاعدة التجاوز على إتيانه فإن حكم الشارع بصحّته أيضا كما إذا شكّ في السورة وهو في القنوت فأجرى قاعدة التجاوز ثمّ بعد الركوع تذكّر أنّه لم يكن آتيا بالسورة ، فحينئذ ترتفع الصحّة الظاهريّة ؛ لأنّها ما دام الشكّ باقيا ، أمّا بعد ارتفاع الشكّ فلا وتكون الصحة حينئذ واقعيّة ؛ إذ لا يمكن صحّة العمل مع بقاء هذا الجزء على جزئيّته ، فلا بدّ أن ترتفع جزئيّته حينئذ بحكم الشارع بالإضافة إلى هذا الشخص ، ولا بدع في ذلك إذ أمر أجزاء المركّب الشرعي بيد الشارع فيجوز أن يجعل أجزاءه حال الذكر غير أجزائه حال الغفلة والنسيان. وبالجملة : الانطباق حينئذ للمأتيّ به على المأمور به هذا الشخص يكون واقعيّا.
فتلخّص : أنّ الصحّة والفساد وصفان عارضان ينتزعان من مطابقة المأتيّ به للمأمور به واقعا ، وجعليّان حيث ينتزعان من انطباق تعبّدي بجعل الشارع المقدّس ما لم يرتفع الشكّ.
الجهة السادسة في تأسيس الأصل : أمّا في الجهة الاصوليّة فلا أصل ؛ إذ الملازمة على تقديرها أزليّة بين الحرمة والفساد ، وعلى تقدير عدمها فعدمها أزلي أيضا فلا تكون مجرى للأصل. وأمّا في المسألة الفرعيّة فيفرق بين المعاملات والعبادات.
أمّا المعاملات فالأصل فيها الصحّة ؛ لأنّها وإن كان الأصل الأوّلي فيها عدم ترتّب الأثر إلّا أنّ العمومات والإطلاقات مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) ومثل : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) و (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٣) ونحوها أصّلت فيها أصلا ثانويا وهو الصحّة ، فحيث يشكّ في المعاملة المنهيّ عنها أنّها فاسدة أم لا يتمسّك فيها بالصحّة بموجب الأصل الثانوي للشكّ في تخصيص هذا العموم وتقييد
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) المائدة : ١.
(٣) النساء : ٢٩.