وبالجملة ، فذكر هذا الشرط وتعليق الجزاء عليه إذا كان المولى في مقام البيان ولم يذكر إلّا هذا القيد ـ وهو خصوص المجيء ـ فهو دليل على كون الجزاء مطلق من جهة غير المجيء ، نظير استفادة كون الوجوب تعيينيّا من عدم ذكر العدل ؛ لأنّ الوجوب التخييري يحتاج إلى ذكر العدل ، فعدم ذكر العدل يستفاد منه إذا كان المولى في مقام البيان عدم العدل ، وهو معنى كون الوجوب تعيينيّا.
وقد أشكل الآخوند قدسسره على هذا الوجه بالفرق بين مقامنا ومقام الوجوب بأنّ الوجوب في الخارج على نحوين : أحدهما التعييني ، والآخر التخييري. وبما أنّ التعييني لا يحتاج إلى مئونة زائدة بخلاف التخييري فعدم ذكر المئونة مع كون المتكلّم في مقام البيان يفيد بيان ما لا عدل له. وهذا بخلاف المقام فإنّ الترتّب واحد ، كان بنحو العلّة المنحصرة أو بنحو العلّة الغير المنحصرة ، فلا ينبغي استفادة الانحصار من المقام كما استفيد تعينيّة الوجوب (١).
والجواب : أنّ الكلام في الوجوب المنشأ من الجزاء وأنّه مطلق من غير جهة المجيء أو مقيّد ، ولا ريب أنّ المطلق من الوجوب سنخ يغاير المقيّد ، فهما سنخان في الخارج كالوجوب التعييني والتخييري. وكما يستفاد التعيينيّة مع عدم ذكر العدل يستفاد كون الوجوب غير مقيّد بقيد آخر غير المجيء من عدم ذكر قيد غير المجيء ، فلو كان هناك علّة اخرى له في نظر الشارع لقال : إن جاءك زيد أو طلعت الشمس فأكرمه. نعم لو كنّا في مقام إثبات الترتّب تمّ ما ذكره في الكفاية من كون الترتّب بنحو واحد في صورة الانحصار وعدمه.
وقد ذكر الميرزا قدسسره لإثبات الانحصار نحوا آخر وملخّصه : أنّا كما نثبت استقلال علّية المجيء لوجوب الإكرام في المثال بنحو لا يتحقّق احتمال كونه جزء علّة كذلك نثبت انحصار العلّية به ، فكما نرفع احتمال كونه جزء علّة بعدم ذكر «الواو» حرفا
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٣٣ ـ ٢٣٤.