وثانيا بالحلّ ، والظاهر أنّ تعصّبه أعماه عن الحقّ فإنّ الحياة في المقام ليست مضافة إلى الدنيا ليكون المراد بها الحياة في الدنيا ، وإنّما الدنيا بمعنى الدنيّة صفة للحياة ، والمراد إنّما الحياة الدنيئة لعب ولهو ، ولا ريب في أنّ الحياة الدنيئة منحصرة بما ذكر ، كيف تكون مضافة مع اقترانها باللام الذي لا يجتمع مع الإضافة كما قرّر في النحو ، ولكنّ التعصّب قد يبلغ بالإنسان حدّا يعمي فيه بصره مضافا إلى عمي بصيرته. اللهمّ إنّي أعوذ بك من هذا التعصّب الأعمى فإنّ إنكار دلالة إنّما على الحصر إنكار لبداهة اللغة العربيّة وضرورتها ، والرازي لا ينكر أدبه ومعرفته باللغة وأدبيّاتها ولكنّ التعصّب يعمي ويصمّ ويخرس.
وأمّا «إلّا» فدلالتها على الحصر وكون ما بعدها مخالفا لما قبلها حكما أمر عرفي لا يرتاب فيه ذو مسكة أصلا ، وقد خالف أبو حنيفة فزعم أنّها لا تفيد الحصر واستدلّ بقوله صلىاللهعليهوآله : «لا صلاة إلّا بطهور» (١) وأنّه لو دلّت على الحصر للزم أن يكون الطهور صلاة وإن لم يضمّ إليه بقيّة الأجزاء والشرائط (٢).
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الضعف فإنّه صلىاللهعليهوآله لم يقل : «لا صلاة إلّا طهور» ليتوهّم هذا المعنى وإنّما قال : «لا صلاة إلّا بطهور» فقرنه بالباء التي هي بمعنى «مع» أي لا صلاة إلّا مع الطهور نظير قوله : «لا عمل إلّا بنيّة» (٣) فهو لا يقتضي أنّ النيّة هي العمل إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقد استدلّ على إفادة إلّا الحصر بقبول النبيّ صلىاللهعليهوآله إسلام من نطق بكلمة التوحيد ، فلولا إفادتها الحصر لم يكن معنى للقبول (٤). ولا يخفى أنّ دلالة «إلّا»
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٥٦ ، الباب الأوّل من أبواب الوضوء ، الحديث ١ و ٦.
(٢) انظر المستصفى من علم الاصول : ٣٢٩ ، ونهاية الوصول (مخطوط) : ١٥١ ، وشرح مختصر الاصول ١ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥.
(٣) الوسائل ١ : ٣٣ ، الباب ٥ من أبواب مقدّمة العبادات ، الحديث الأوّل.
(٤) مطارح الأنظار ٢ : ١٠٦.