الإجماع على تقييدها بما بعد الفحص أو الأخبار كحديث الحجّة البالغة (١) أو آية (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(٢) على اختلاف المشارب في ذلك ، وهذا بخلاف الفحص في العموم فإنّه عمّا يزاحم الحجّة فإنّ العموم حجّة متحقّقة ، ولكنّ الكلام في أنّه هل هناك مزاحم لها ومانع عن الأخذ بمقتضاها أم لا؟ فالفحص هنا عمّا يزاحم المقتضي بعد تحقّقه وهناك عن أصل تحقّق المقتضي وعدمه ، هكذا أفاد صاحب الكفاية قدسسره (٣)(*).
وربّما قيل بعدم الفرق بين الفحص في المقامين ، فإنّه كما أنّ الشكّ بعد الفحص موضوع للاصول كذلك الظهور بعد الفحص موضوع للحجيّة الثابتة ببناء العقلاء ، وإلّا فلو استقرّ بناؤهم على العمل بالظهور قبل الفحص فلا مقتضي للفحص أصلا.
ومن هنا يظهر أنّ ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره على إطلاقه غير تامّ ؛ ولأنّا إن استندنا في وجوب الفحص إلى العلم الإجمالي بالمخصّصات في الكتب الأربعة أو فيها وفي غيرها فلا ريب في تحقّق الفرق بين الفحصين ، فإنّه حينئذ عن تحقّق المانع بعد
__________________
(١) الأمالي للشيخ الطوسي : ٩ المجلس الأوّل ، الحديث ١٠.
(٢) النحل : ٤٣.
(٣) انظر الكفاية : ٢٦٥.
(*) وملخّص الكلام : أنّ الفحص قد يكون عن المقتضي في كلا المقامين ، أمّا في الاصول فلتنقيح الموضوع ، وأمّا في العمومات فكذلك ؛ لأنّ بناء العقلاء إنّما جرى على العمل بها إذا كانت في معرض التخصيص كما في عمومات الكتاب والسنّة بعد الفحص عن المخصّص. وقد يكون عن المانع في كلا المقامين ، أمّا في العموم فواضح ، وأمّا في الاصول ففي أطراف الشبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي فإذا تردّد النجس بين إناءين فأصالة الطهارة تجري في كلّ منهما لو لا المعارضة ، فالفحص عن النجس منهما يوجب معرفته ، فيجري أصالة الطهارة حينئذ في الثاني ، فالفحص هو الذي رفع المانع من إجراء الأصل في الثاني. فافهم. (من اضافات بعض الدورات اللاحقة).