وأمّا النقلي فقد استدلّ على لزوم الفحص عن الحكم قبل الرجوع إلى الاصول العمليّة بآية (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) وبما ورد من لزوم تعلّم الأحكام مثل قوله عليهالسلام : طلب العلم فريضة على كلّ مؤمن ومؤمنة (٢) ، ومثل ما ورد من أنّه يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له : لم لا عملت؟ فيقول : ما علمت ، فيقال : لم لا تعلّمت (٣) وغيرها من الأخبار الدالّة على وجوب تعلّم الأحكام الشرعيّة (٤) ، فإنّه لو رجع إلى الأصل العملي في هذه الموارد خالف آية السؤال وترك تعلّم الحكم (٥).
وهذان الدليلان بعينهما يدلّان على وجوب الفحص عن المخصّص قبل العمل بعموم العامّ بمقدّمة هي أنّه جرى ديدن الشارع المقدّس تبليغ أحكامه تدريجا بنحو يذكر العموم في الكتاب الكريم ويكون مخصّصه مذكورا بعد مائتي سنة من العسكري عليهالسلام ، وكذا يذكر العموم على لسان الباقر عليهالسلام ويأتي التخصيص من الرضا عليهالسلام أو الجواد عليهالسلام. فقد استقرّ ديدنهم على هذا ، وحينئذ فبمجرّد ورود العموم لا يمكن العمل به مع استقرار سيرتهم على ما ذكرنا. فلو عمل بالعموم لزم نقض الغرض ، وترك السؤال من أهل الذكر الذي هو كناية عن التفحّص في أقوالهم ، وكذا ترك طلب العلم بالحكم الشرعي الذي هو مقدّمة للعمل ، فهذه الأدلّة تدلّ على لزوم الفحص عن المخصّص للعموم قبل العمل بعموم العامّ.
__________________
(١) النحل : ٤٣.
(٢) لم نعثر عليه بعينه ولكن الموجود : على كلّ مسلم ، انظر الوسائل ١٨ : ٩ ، الباب ٤ من أبواب صفات القاضي.
(٣) الأمالي للشيخ الطوسي : ٩ المجلس الأوّل ، الحديث ١٠.
(٤) انظر الكافي ١ : ٣٠ ، باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه ، الحديث ٣ و ٦ و ٧ و ٨.
(٥) راجع الفرائد ٢ : ٤١٢ وما بعدها.