مقدّمات الحكمة فلا بدّ من الفحص حتّى يحرز عدم البيان الذي هو مقدّمة من مقدّمات الحكمة ، وإلّا ففي مثل تخصيص عمومات مثل الكتاب والسنّة ـ ممّا يرد العامّ فيه ثمّ يرد الخاصّ بعد مئات السنين من إمام آخر غير الناطق بالعموم ـ لا يمكن إحراز عدم البيان بعدم ذكره متّصلا به ، خصوصا كون مثل التخصيص المنفصل متداولا ومتعارفا ، إمّا لمصلحة في التأخير ، أو لمفسدة في التقديم من تقيّة وغيرها.
أقول :
يرد على هذا الوجه أوّلا : أنّ ألفاظ العموم غير محتاجة إلى مقدّمات الحكمة ليحرز عدم البيان ، بل هي بنفسها دالّة على العموم ، فعدم التخصيص من باب بيان عدم التخصيص لا من باب عدم بيان التخصيص ، والمتكفّل لبيان العدم هو لفظ العموم المفيد لإلغاء الخصوصيّات كما تقدّم.
وثانيا : أنّ الظهور لا يرتفع بالظفر بالمخصّص ، بل إنّما يرتفع بالمخصّص الإرادة الجدّية كما تقدّم ، وأمّا الظهور فبناء العقلاء يوجب حجّيته ، وتقديم المخصّص المنفصل حيث يتحقّق من باب تقديم أقوى الظهورين على الآخر ، ولو توقّف ظهوره على عدم المخصّص لم يصحّ ما ذكره الميرزا نفسه من التمسّك بالعموم حيث يكون المخصّص مجملا مفهوما مردّدا بين الأقلّ والأكثر فيما زاد على الأقلّ المتيقّن فإنّه قد ذكر أنّه يتمسّك بعموم العامّ ، فهل يتمسّك بما ليس بظاهر أم بما هو ظاهر؟ فالإنصاف أنّ هذا الوجه أيضا كسابقه لا يوجب الفحص.
الثالث من أدلّة وجوب الفحص عن مخصّص العموم قبل العمل به : ما ذكره الشيخ الأنصاري قدسسره في مقام لزوم الفحص عن الدليل قبل الرجوع إلى الاصول العمليّة من الدليل العقلي المذكور هناك والنقلي ، أمّا العقلي فقد ذكروا أنّه يلزم من الرجوع إلى الاصول من غير فحص اندراس الأحكام وعدم امتثالها إذ كلّما شكّ في حكم يرجع إلى البراءة ، وحينئذ فيلزم نقض الغرض من جعل الأحكام.