فنقول : إن قلنا بأنّ الخطابات خاصّة بالمشافهين فظهورها إمّا أن يختصّ بهم أو يكون ظهورها حجّة مطلقا. وإن اختصّ الخطاب بهم فإن قلنا باختصاص حجّية الظهور بمن قصد إفهامه فلا يكون هذا الظهور حجّة في حقّنا ، فإذا شككنا في تكليف من جهة بعض الخصوصيّات فلا يمكننا الاستدلال بإطلاق أو عموم لعدم حجّيته لنا ، لأنّا لم نقصد بالخطاب.
وحينئذ فثبوت ذاك التكليف لنا إنّما هو بقاعدة الاشتراك المفتقرة إلى اتّحاد الجنس ، فإذا كان الحاضرون واجدين لصفة نحتمل دخلها في التكليف لا يمكن إثبات ذلك التكليف لنا ، فمثل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)(١) لا يمكن بها إثبات التكليف لنا بوجوب الجمعة ؛ لأنّ صفة حضور الإمام المبسوط اليد نحتمل دخلها في الحكم بوجوبها. وهذا أيضا يجري لو قلنا بعموم حجّية الخطاب وإن اختصّ بالمخاطبين ؛ لاحتمال أن يكون لوصف الحضور مدخليّة في الحكم ، وعدم ذكر تقييد الحكم به لكون المخاطبين واجدين له فلا يحتاج إلى ذكره قيدا ، وحينئذ فهو وإن كان حجّة بالنسبة إلينا لنستدلّ به على تكليفهم إلّا أنّا لا نتمكّن أن نثبت به إطلاق التكليف بالنسبة إلى حضور الإمام وغيبته لإمكان كونه مقيّدا وعدم ذكر القيد لكون المخاطبين واجدين له فهو مغن عن الذكر لعدم فائدته حينئذ. وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ الخطابات الشفاهيّة تعمّ الغائبين بل المعدومين بحاقها فإنّا نستدلّ حينئذ بإطلاق الخطاب في نفي كلّ قيد نحتمل اعتباره.
فقد ظهر أنّ هذه المسألة اصوليّة ذات ثمرة فقهيّة ، وليس كما ذكره صاحب الكفاية من عدم كونها ذات ثمرة (٢).
__________________
(١) الجمعة : ٩.
(٢) كفاية الاصول : ٢٦٩ ـ ٢٧١.