وأمّا الكلام في نفس المسألة فقد ذكر صاحب الكفاية قدسسره إمكان تصوير النزاع في الحكم العقلي من جهتين :
إحداهما : إمكان جعل الحكم في حقّ المعدومين وعدمه.
الثانية : إمكان خطاب المعدومين وعدمه (١).
وفي الحكم اللغوي وهو أنّ الأدوات الموضوعة لخطاب المشافهة هل يصحّ خطاب المعدومين بها أم لا؟ والميرزا النائيني قدسسره جعل النزاع في أمرين :
أحدهما : إمكان خطاب المعدومين ، والحكم اللغوي. وأسقط إمكان جعل الحكم عن محلّ النزاع (٢).
والظاهر أنّ النزاع في الحكم اللغوي ، وذلك أنّ جعل الحكم ممّا لا ريب في إمكانه بناء على أنّ جعل الحكم عبارة عن اعتباره على ذمّة المكلّف ، وهذا الاعتبار سهل المئونة جدّا كما تقدّم ، والبعث والزجر والطلب كلّها امور منتزعة منه. والحكم في القضايا الحقيقيّة مشهور ، بل وهذا في العرف واقع كثيرا ، كما في قوانين الحكومات ، وكما في الوقف على البطون. ويؤيّده أنّه لم ينقل عن أحد التوقّف في شمول الأحكام الموجّهة بغير أدوات الخطاب للمعدومين فضلا عن الغائبين.
وأمّا صحّة الخطاب فإن اريد الخطاب الحقيقي الذي يكون بقصد التفهيم والتفهّم فهذا لا يجوز مع غير الملتفت وإن كان حاضرا كالنائم والغافل والسكران والمجنون ، وإن اريد به الخطاب بمعنى إنشاء الخطاب فهذا يجوز ولو مع المعدوم ، بل الغير القابل للوجود. وكلّ هذا لا نزاع فيه ، وإنّما النزاع في صحّة مخاطبة المعدومين بمثل «يا أيّها» وغيرها ممّا وضع لخطاب المشافهة أم لا.
فلا نزاع إلّا في المسألة اللغويّة ، وهي : أنّ أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي فلا يصحّ المخاطبة بها للغائب فضلا عن المعدوم ـ إذ الخطاب الحقيقي ما فيه
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٦٦.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٣٦٥ ، وفوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٥٤٨.