وله علم آخر محتوم وهو الذي أخبر به أنبياءه وأوصياءه وأنّه لا محالة كائن كما أخبر بأنّ أبا لهب من أهل النار بقوله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) إلى آخره.
وله علم آخر يسمى بالقضاء والقدر وهذا أيضا يخبر أنبياءه به إلّا أنّه معلّق على مشيئة فهم يطّلعون عليه معلّقا على ذلك وهذا هو العلم بالملازمات فإنّ وقوعه معلّق على عدم مشيئة خلافه كما في القوانين المدنيّة النافذة لو لا صدور مشيئة الملك بخلافها.
فالقسم الوسط من هذه الثلاثة لا بدّ من وقوعه فإنّ الله لا يكذب أنبياءه عليهمالسلام وأوصياءه لأدائه على انتصار أعدائه عليهم فلا يكون منشأ للبداء ولا يكون فيه البداء أيضا ، والقسم الأوّل هو الذي يكون منه البداء فإنّ الله بعلمه المكنون يعلم أنّه يشاء صدور هذا الشيء أم عدمه ، والقسم الثالث هو الذي يكون فيه البداء فإن إخبار النبي صلىاللهعليهوآله بموت زيد هذا اليوم مثلا معلّق بأن لا يشاء الله خلافه ولكنّ الله يشاء خلافه أو لا يشاء فهذا أمر يجهله النبي صلىاللهعليهوآله أو الوصي ، ومن هنا ورد عن علي عليهالسلام وعن الحسن عليهالسلام والحسين عليهالسلام وعلي بن الحسين عليهالسلام ومحمد الباقر عليهالسلام وجعفر الصادق عليهالسلام أنّه لو لا آية من كتاب الله لأخبرناكم بما هو كائن إلى يوم القيامة وقد سألوا عن الآية فقالوا : هي قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(١)(٢).
وبالجملة ، فهذا البداء معناه أنّ ما علمته الأئمّة عليهمالسلام وأخبرت بوقوعه إنّما هو معلّق على عدم مشيئته خلافه ، وهذا المعنى من الامور المثبتة لقدرة الله ومشيئته واختياره وليس موجبا لنسبة الجهل إلى الله تعالى كما نسبه العامّة إلى علماء الإماميّة قدسسرهم ، بل هو عين توحيد الله وإثبات علمه بما لا يحيط به بشر من مخلوقاته بالغا ما بلغ.
__________________
(١) الرعد : ٣٩.
(٢) بحار الأنوار ٤ : ٩٧ ، الحديث ٤ و ٥.