وإن كان في مقام بيانه قانونا وقاعدة كلّية ، فهذا هو المراد بكون المولى في مقام البيان ، إذ هذا النحو هو مورد الاحتجاج من المولى على العبد لو لم يمتثل ، ومن العبد على المولى لو أراد المقيّد مثلا ولم يذكر قيده بل أطلق لفظه.
المقدّمة الثالثة : أن يخلو اللفظ عن المقيّد متّصلا ومنفصلا ، فإنّ وجود القيد المتّصل مانع عن انعقاد لفظ المطلق في الإطلاق فلا إطلاق حينئذ. وأمّا المنفصل فهو مانع عن تعلّق الإرادة الجدّية بظاهر المطلق. ومع كلّ منهما لا يكون في اللفظ مجال للاحتجاج من المولى على عبده ، ولا من العبد على مولاه.
وإذا تمّت هذه المقدّمات الثلاث فمقتضى حكمة المولى وتبعيّة مقام الإثبات لكشف مقام الثبوت ؛ إذ الإهمال في الواقع محال فلا بدّ من إرادة إطلاق ذلك المطلق وعدم تقييده بشيء ، إذ لو أراد المقيّد ومع ذلك لم يذكر القيد وقد كان متمكّنا من ذكره وكان في مقام يستدعي بيانه ولم يبيّنه لأخلّ بطريقة جرى ديدن العقلاء عليها. فالحكيم لا يخالف ديدن العقلاء إلّا إذا لم يتمكّن من أخذ القيد لتقيّة أو لم يكن مريدا لتفصيل الحال ، أو ذكر قيدا ، والمفروض انتفاء جميع ذلك. فمقتضى حكمته إرادة المطلق ، فهي بمثابة قوله : أكرم أيّ عالم شئت ؛ إذ إرادة غيره مخلّ بطريقة العقلاء ولا يليق ذلك به.
بقي الكلام في أنّ وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب مانع عن التمسّك بالإطلاق أم ليس بمانع؟ الظاهر أنّه ليس مانعا ، توضيح ذلك : أنّ القدر المتيقّن قد يكون خارجا عن مقام التخاطب ، وهذا لا يسلم منه عامّ من العمومات ، فإنّه لو قال : أكرم العلماء ، فالعدول قدر متيقّن بالنسبة إليهم ، وكذا إذا قال : الماء طاهر ، فالكرّ متيقّن أو قال : البول نجس ، فبول البالغ متيقّن وهكذا ... وهذا القدر المتيقّن باعتبار خروجه عن مقام التخاطب لم يحتمل أحد مانعيّته عن التمسّك بالإطلاق.
وقد يكون متيقّنا بلحاظ مقام التخاطب كما إذا سأل السائل عن دم الرعاف ؛ يصيب الثوب فهل يصلّي فيه أم لا؟ فأجابه الإمام بأنّ الدم إن كان أقلّ من الدرهم