وقد كانت سيرة المتقدّمين من علمائنا أنّهم يبحثون عن المسألة الأصولية عند التعرّض لها في الفقه ، حتّى انتهى الأمر إلى صاحب الحدائق وصاحب المعالم ومن قارب عصرهما فدوّنوا الاصول قبل الخوض في المطالب الفقهيّة في مقدّمات الكتاب. ولكن جملة من علمائنا المتقدّمين وجميع المتأخّرين التزموا تدوين الاصول في كتب مستقلّة عن الفقه.
ولا يخفى أنّ ذلك ليس بدعة ـ كما نسبه إليهم بعض الأخباريين (١) ـ ضرورة أنّ البحث عنها لا بدّ منه ، واستقلالها لا ضير فيه ، فأيّ بدعة في البحث عنها مستقلّة ، إلّا أن يكون مراد من زعم كونه بدعة أنّه شيء جديد حادث ، لا أنّه حرام ، وهو مع كونه خلاف مساق كلامه غير حادث أيضا ، بل إنّ الاستقلال في تدوينه من زمن الشيخ الطوسي قدسسره (٢) فليس بحادث.
ثمّ إنّ هذه الاصول تارة تكون كافلة بأحكام الشاكّ ومبيّنة لوظيفته العمليّة وتسمّى بالأصول العمليّة ، وتارة تكون كافلة ببيان الأحكام الواقعية ، وهي على أقسام ؛ ضرورة أنّ البحث فيها :
تارة : يكون فيما يتعلّق بالأدلّة اللفظية ، وتسمّى بالأصول اللفظية ، مثل كون الأمر دالّا على الوجوب أم لا ، وكون النهي دالّا على التحريم أم لا ، وكون الجملة الشرطية دالّة على المفهوم أم لا.
واخرى : يكون في ملازمات الأحكام ، سواء استفيد الحكم من دليل لفظي أم لا ، مثل البحث عن مقدّمة الواجب وقاعدة الضدّ وباب اجتماع الأمر والنهي واقتضاء النهي الفساد.
__________________
(١) المولى محمّد أمين الأسترآبادي في الفوائد المدنيّة : ٣.
(٢) ويكفينا كتابه عدّة الاصول.