ولا يخفى عليك ما فيه :
أمّا أولا : فلأنّ هذه القاعدة وهي استحالة صدور الواحد من المتعدّد ـ إن سلمت ـ ففي غير العلوم ؛ لأنّ جملة من العلوم ليس لها غرض مترتّب عليها وراء نفسها ، بل الغرض منها ليس إلّا نفس المعرفة والكمال ، نظير علم الفلسفة العالية فإنّه ليس وراء المعرفة شيء يترتّب عليها ، والغرض المذكور في كلامهم لا يمكن أن يكون نفس الشيء ؛ إذ إنّ الترتّب المذكور في كلامهم قاض بتغايره مع المترتّب عليه.
وأمّا ثانيا : فلأنّ الغرض المترتّب ليس واحدا شخصيّا ، وهي إن سلمت ففي الواحد الشخصي ، والوحدة في المقام نوعيّة ؛ لأنّه ليس واحدا حقيقة بل آحاد ؛ فإنّ لكلّ مسألة غرضا مترتّبا عليها ، فإنّ باب الفاعل مثلا له غرض واحد مترتّب عليه ، وهو صون اللسان عن الخطأ في المقال فيه ، وهكذا كلّ مسألة. والجامع بينها جامع عنواني ، وحينئذ فالأغراض متكثّرة. ونظيره في علم الاصول ، فإنّ استنباط الوجوب من الأمر غرض مترتّب على خصوص مبحثه ، وكذا كون النهي مفيدا للتحريم وهكذا ، وحينئذ فالأغراض المترتّبة كثيرة ، فلا بدّ من كون المؤثّر متعدّدا.
وأمّا ثالثا : فلأنّ ذلك الأثر حينئذ إنّما يكون مترتّبا على مجموع المسائل لا على آحادها ، وحينئذ فالمجموع هو المؤثر فيه ، فلم يلزم صدور الواحد من المتعدّد ، بل صدور الواحد من الواحد ، نعم لو ترتّب الأثر على كلّ واحد واحد من المسائل لزم ما ذكر ، فافهم.
وأمّا رابعا : فلأنّ المؤثّر في الغرض ليس هو موضوع العلم ليلزم من وحدته وحدته ، بل مجموع المسألة بوجودها الواقعي ليس مؤثّرا في حصول الغرض ، وإنّما المؤثّر هو العلم بالمسألة ، فلا بدّ من جامع بين أفراد علم باب الفاعل وعلم باب المفعول وعلم باب الحال والتمييز وغيرها في علم النحو مثلا ، فلا بدّ من جامع بين أفراد هذه العلوم.