ولما تمّ احتلال بغداد أمر هولاكو باستفتاء العلماء « أيّما أفضل ، السلطان الكافر العادل ، أم السلطان المسلم الجائر؟ » ، ثمّ جمع العلماء بالمستنصريّة لذلك ، فلمّا وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب ، وكان رضي الدين عليّ بن طاوس حاضرا هذا المجلس ، وكان مقدّما محترما ، فلمّا رأى إحجامهم تناول الفتيا ووضع خطّه فيها ، بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر ، فوضع الناس خطوطهم بعده (١).
فحفظ السيّد بمبادرته إلى هذه الفتوى ما استطاع أن يحفظ من دماء المسلمين وأعراضهم ، وقد صرّح السيّد بذلك قائلا : « ظفرت بالأمان والإحسان ، وحقنت فيه دماءنا ، وحفظت فيه حرمنا وأطفالنا ونساءنا ، وسلم على أيدينا خلق كثير (٢) ».
بعد ذلك استطاع السيّد ابن طاوس أن يأخذ الأمان من المغول لباقي مدن العراق ، فسلمت من نهب وسلب ووحشيّة التتار ، ولم يصبها ما أصاب بغداد من الدمار وسفك الدماء وهتك الأعراض واستباحة الحرمات.
ثمّ تولّى السيّد رحمهالله نقابة الطالبيين في سنة ٦٦١ ه ، وبقي نقيبا لهم حتّى وافاه الأجل في سنة ٦٦٤ ه ، وقد وصف المحدّث القميّ تولّيه للنقابة ، قائلا : « لمّا تولّى السيّد رضي الدين النقابة ، وجلس على مرتبة خضراء ، وكان الناس عقيب واقعة بغداد قد رفعوا السواد ـ [ وهو شعار العباسيين ] ـ ولبسوا الخضرة [ وهو شعار العلويين ] ، قال عليّ بن حمزة العلويّ الشاعر :
فهذا عليّ نجل موسى بن جعفر |
|
شبيه عليّ نجل موسى بن جعفر |
فذاك بدست للإمامة أخضر |
|
وهذا بدست للنّقابة أخضر (٣) |
وهذه التفاتة رائعة من ابن حمزة العلويّ ، حيث ذكّره جلوس عليّ بن موسى ابن طاوس للنقابة ، ولبس الخضرة ، بجلوس الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام
__________________
(١) انظر تاريخ الفخري (١٧)
(٢) الإقبال (٥١٨)
(٣) الكنى والالقاب ( ج ١ ؛ ٣٢٧ ) ، البابليات ( ج ١ ؛ ٦٥ )