شرّ التتار ، فاعتذروا بأنّ ذلك ممّا يزيد في طمع التتار في احتلال بغداد ، ويزيد إيمانهم بضعف الخلافة فيها ، فأشار السيّد ابن طاوس عليهم بأنّه يخرج مع علماء آخرين من السادة ، ليلقوا التتار ويحدّثوهم ، باعتبارهم أولاد الدعوة النبويّة والمملكة المحمديّة لا باعتبارهم وفودا مرسلة من قبل الخليفة ، إلاّ أنّ السيّد قوبل بقولهم « إذا دعت الحاجة إلى مثل هذا أذنّا لكم ، لأنّ القوم الّذين قد أغاروا مالهم متقدّم تقصدونه وتخاطبونه ، وهؤلاء سرايا متفرّقة وغارات غير متّفقة » (١).
وكأنّ السيّد رحمهالله كان قد أدرك قوّة التتار منذ بدايات سراياهم وطلائع جيوشهم ، فأراد أن يكفّ غائلتهم قبل البدء بالزحف الشامل على بغداد ، خصوصا وأنّ بغداد ما زالت في عهد المستنصر ، ربّما تمتلك شيئا من القوّة تساعد كثيرا في طمع التتار وقبوله بالمهادنة آنذاك ، إلاّ أنّ ما يبدو هو أنّ انتصار الخليفة المستنصر عليهم في الجولة الأولى ـ والّتي كانت تضمّ السرايا المتفرّقة والغارات غير المتّفقة ـ كان قد أطمعه في الانتصار عليهم إلى الأبد ، دون دراسة كاملة وشاملة لما كان يمتلك أولئك الغزاة من قدرات وقوى ، ولما ستؤول إليه الخلافة.
وفي هذه الظروف الحرجة شاءت الأقدار أن تشمل مآسي احتلال بغداد ومخاوفها السيّد ابن طاوس وعائلته ، تلك المآسي الّتي راح ضحيّتها ألف ألف نسمة ، ولم يسلم إلاّ من اختفى في بئر أو قناة (٢) ، وكان من جملة الضحايا السيّد شرف الدين أبو الفضائل محمّد بن موسى بن طاوس ، وقد نقل لنا السيّد ابن طاوس ما شمله وأهل بغداد من الرعب ، فقال : « تمّ احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الاثنين ١٨ محرم سنة ٦٥٦ ه ، وبتنا بليلة هائلة من المخاوف الدنيويّة ، فسلّمنا الله جلّ جلاله من تلك الأهوال (٣) ».
__________________
(١) كشف المحجّة (٢٠٤)
(٢) انظر تاريخ الخلفاء (٤٧٢) وقال ابن خلدون في تاريخه ( ج ٣ ؛ ٦٦٣ ) « ويقال أنّ الّذي أحصي ذلك اليوم من القتلى ألف الف وستمائة ألف »
(٣) الإقبال (٥٨٦) ، فرج المهموم (١٤٧)