أو أنّه تلقّاها في بغداد عند استقرار الإمام فيها مجبورا تحت عيون السلطة ، وفي الفترات المتقطّعة الّتي كان يفرج فيها عن الإمام أو يوسّع عليه تحت الإقامة الإجباريّة؟ كلا الاحتمالين وارد.
إلاّ أنّنا إذا أخذنا المقدار المتيقّن ، وافترضنا سماعه من الإمام في الفترة الثانية ، علمنا أنّه سمع ذلك بعد سنة ١٧٣ ه ، وذلك لما مرّ من أنّ الإمام حبس عشر سنين في سجون هارون ، وأنّه عليهالسلام توفّي سنة ١٨٣ ه ، فنعرف أنّه أتي به إلى البصرة ، ومن بعدها إلى بغداد في حدود سنة ١٧٣ ه ، وفيها وفيما بعدها اتّصل عيسى بالإمام وروى عنه.
فإذا أخذنا أبعد الاحتمالات ، وهو أنّ عيسى كان في هذه الفترة صبيّا مميّزا بحيث يصحّ منه تحمّل الرواية وأداؤها بعد بلوغه ـ كما قرّر في محله ـ فيلزم أن يكون عمره ثلاثة عشر عاما ، كحدّ متوسط للتمييز وصحّة تحمّل الرواية ، يضاف إليها مدّة من الزمان لازم فيها الإمام وانتهل من معارفه حتّى أصبح مورد ثقة الإمام ؛ بحيث ساغ أن يروي له الإمام مهمّات أمور الإمامة وأسرارا من أسرار الله ، كما نصّ على ذلك بوضوح في أثناء مطالب كتاب الوصيّة.
كلّ هذه الأمور تحدو بنا أن نفترض على أبعد التقادير ، أنّ عيسى كان حيا في حدود سنة ١٦٠ ه ، وأنّ الراجح أنّه سمع أحاديثه في بغداد لا في المدينة المنوّرة.
والّذي يؤيّد ما استنتجناه وافترضناه ، هو أنّنا نرى كثرة روايته عن الإمام الكاظم عليهالسلام ، وعدم عدّه من أصحاب الرضا عليهالسلام ، في حين عدّ من أصحاب الجواد عليهالسلام ، ممّا يمكن أن يستنتج منه أنّ الرجل كان بغداديّ المنشأ والوفاة ، إذ لم يكن من أصحاب الرضا عليهالسلام الذي كان في خراسان ، بل اقتصر الرجاليّون على تصريحهم بأنّه من أصحاب الكاظم والجواد عليهماالسلام ، اللّذين كانا حتّى استشهادهما في مدينة بغداد ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّه رجل ضرير يعسر عليه عادة التنقّل من بلد إلى آخر في ذلك الزمان ، إلاّ لأداء الفرائض أو الحالات الضرورية الّتي تلجئه إلى تجشّم متاعب السفر.