وإذا لحظنا قول الإمام الكاظم عليهالسلام له : « تأبى إلاّ أن تطلب أصول العلم ومبتدأه ، أما والله إنّك لتسأل تفقّها » (١) ، وقوله له عند ما سأله عمّا يقولونه من أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أمر أبا بكر بالصلاة عند مرضه ـ بعد أن أطرق الإمام عنه طويلا ـ : « ليس كما ذكروا ، ولكنّك يا عيسى كثير البحث في الأمور ، وليس ترضى عنها إلاّ بكشفها ». وقول عيسى للإمام : « بأبي أنت وأمّي ، إنّما أسأل منها عمّا أنتفع به في ديني وأتفقّه ، مخافة أن أضلّ وأنا لا أدري ، ولكن متى أجد مثلك أحدا يكشفها لي ، (٢) » ...
إذا لحظنا كلّ ذلك ، علمنا أنّ الرجل كان ملازما للإمام الكاظم عليهالسلام ، ومن أصحابه المخلصين ، وذلك حيث وصفه الإمام بأنّه يطلب أصول العلم ومبتدأه ، وأنّه يسأل تفقّها لا تعنّتا ولامراء.
وعلمنا أيضا أنّ عيسى كان مختصّا بمرويّات الوصيّة وكيفيّة بدء الإسلام والبيعة لعليّ عليهالسلام ، فيبدو أنّ الرجل صبّ جلّ اهتماماته في هذا الباب الحسّاس الّذي كثر فيه النزاع ، وهذا ما شغله عن طلب الفقه والفرائض ، فلم يرو لنا من ذلك ما يمكن أن يعتدّ به ، خصوصا وأنّ اهتمامات الإمام الكاظم عليهالسلام بالأمور العقائدية تزايدت في جوّ الخلافة العباسيّة المتهرّئ والمنشغل بالملاهي والملذّات في حكومة الرشيد ، فلذلك نراه عليهالسلام يصف عيسى بقوله : « ولكنّك كثير البحث في الأمور ، وليس ترضى عنها إلاّ بكشفها ».
ومن خلال تتبّع المرويّات ، وجدنا أنّ منها ما يمسّ خلافة العباس وبنيه ، ويثبت الأحقيّة والوراثة الدينية والدنيوية لعليّ وأولاد عليّ عليهمالسلام ، وهذا ما يقيم الدنيا على هارون الرشيد ولا يقعدها ، فكيف حدّث الإمام الكاظم عليهالسلام بكلّ هذا عيسى ابن المستفاد ، لو لا أنّه أهل للتعلّم وكتم علوم آل محمّد صلوات الله عليهم عن
__________________
(١) انظر بداية الطّرفة الأولى
(٢) انظر بداية الطّرفة العشرين