ثمّ إنّ المتقدّمين يعدّ قولهم حجّة على الغير ، فضلا عن كونه حجّة على أنفسهم ؛ وذلك لأنّ حكمهم على الرواة غالبا ما يكون عن حسّ وقطع ويقين ، أو عن اطمئنان متاخم للعلم ؛ لقربهم من عصر الرواة والنصّ والمعصوم ، وعليه فيستبعد منهم الاجتهاد في الحكم على الرواة إلاّ ما ندر ؛ لأنّ الاجتهاد سيكون مقابل الأمور المحسوسة ، وهذا تحصيل للحاصل على أحسن التقادير ، وعلى التقادير الأخرى مناف للحكمة ؛ لأنّه سيكون كالاجتهاد في مقابل النصّ ، وهذا من مثلهم بعيد جدا.
وأمّا المتأخّرون ، فإنّهم لمّا ابتعدوا عن عصر الرواة ـ ولم تصل إليهم التوثيقات والتضعيفات يدا بيد ولسانا عن لسان ، كما هو عليه عند المتقدّمين ـ احتاجوا إلى إعمال النظر في الحكم على الرواة ، وبما أنّ الأنظار والاجتهادات مختلفة باختلاف الدلائل المتوصّل إليها والعقول ، صار من البديهي أنّ الحكم الصادر عنهم في الرواة حجّة على أنفسهم فقط.
وعليه ، فالعمدة ممّا حكم به على عيسى بن المستفاد ، هو ما حكي عن ابن الغضائري وما قاله النجاشي من المتقدّمين لا غير ، وأمّا العلاّمة وابن داود ومن تأخّر عنهم ، فهم من المتأخّرين ولا حجّة لهم علينا ، فلا يلزم اتّباعهم في مواطن الاجتهادات ، كما اتّضح لك فيما تقدّم.
أضف إلى ذلك ، أنّ تضعيفات المتأخّرين لعيسى بن المستفاد لا تورث الاعتماد عليها ؛ لأنّك لو لاحظت أقوالهم ، لوجدت أنّها عبارات مجترّة عن النجاشي ، وزاد عليهم العلاّمة بذكره عبارة ابن الغضائريّ ، حتّى أن المامقاني عدّ العلاّمة ممّن ضعّفه ، مع أنّه لم يذكر في الخلاصة غير عبارة النجاشي وابن الغضائريّ ، وهما غير ناهضتين بالمدّعى كما ستعلم.
البحث الثاني :
في تعيين دائرة الاعتماد على تضعيفات ابن الغضائري والقميّين