وكذا الظاهر أنّ القول الثالث أيضا مبنيّ على أنّ التعويل على حسن الظاهر والمعروفية بالستر والعفاف ، من باب الكشف عن العدالة والدلالة عليها ، لا كونه نفسها تنزيلا لحسن ظاهر الحال في المعاشرات منزلة الواقع ، أعني الاجتناب الواقعي عن القبائح الذي هو القول الثاني ، كما لا يخفى على المتأمل في كلام القائلين به. فيبقى الاحتمال في أصل معنى العدالة وحقيقتها بين أحد الأوّلين ، أعني الملكة النفسانية المشتهرة بين المتأخرين ، ونفس تقوى الجوارح من الأفعال والتروك المعروفة بين المتقدّمين.
ثمّ من الظاهر أن ليس المراد من الثاني مجرّد الفعل والترك من حيثهما ، ولو لعدم المقتضي أو وجود المانع ، كالعنين التارك للزنا واللواط ، والأخرس والأعمى والأصمّ بالنسبة إلى معاصي تلك الجوارح ، وغيرهم ممّن لم يتمكّن من آلات المعاصي ، بل المراد كونه لتقوى الله عزوجل وغرض ديني ، لا للرياء والسمعة أو الخوف من الناس أو مصلحة دنيوية أخرى ، لعدم كونه ممدوحا ـ حينئذ ـ فليس من العدالة المأمور بها المثاب عليها إجماعا ، بل العمل ـ حينئذ ـ في بعض تلك الوجوه بنفسه معصية يخالف العدالة ، فلا بدّ أن يكون العمل المزبور منوطا بنيّة خالصة وفضيلة نفسانية.
وكذا ليس المراد مجرّد التلبس بهذه الأوصاف الصادق على مثل ساعة أو يوم أو على زمان الشهادة ، بل مرادهم التلبّس بها دائما أو في زمان طويل ، كشهر بل أكثر ، من غير تخلّف عنه فيه.
ولعلّه إجماعيّ أيضا ، بل هو مدلول كلمات القائلين به ، فإنّه لا يصدق عرفا تلك الأوصاف التي ذكروها على الإطلاق إلّا على المواظب المداوم عليها.