فدعوى كونه المعهود في الآية يطالب بالدليل ، لاحتمال كونها الأفراد الصحيحة بكيفياتها المخصوصة ، بل هي أقرب بمعنى العهد المعروف في كتب الأدب. وحيث يحتمل كان متعيّنا في الاستدلال ، اقتصارا على القدر المتيقن ، مضافا إلى احتمال كون المعهود غير ذلك من المعاني الآتية.
وبهذا يظهر وجه ترك الثالث للاستدلال بالآية على الصحة رأسا ، وهو مشكل أيضا بملاحظة مخالفته لسيرة العلماء ومتفاهمهم قديما وحديثا ، بحيث يكاد أن يكون إجماعا منهم على الاستدلال بها ، بل صار من المسلمات بين جمهور الأصحاب. فاللازم تحقيق الحال وتصحيح الاستدلال على وجه لا يرد عليه الإشكال ، فأقول فاستمع وكن من الشاهدين :
وليعلم أوّلا أن العقد أصله لغة وعرفا الجمع بين الشيئين بحيث يعسر الانفصال ، كما ذكره غير واحد ، وهو يشمل الحسّي كعقد الحبل وشدّ العناج ، وغير الحسّي وهو الذي يطلق عليه العهد الموثّق المتناول لمثل عقود المعاملات.
قال الجوهري (١) : عقدت الحبل والعهد والبيع وانعقد. وفي القاموس (٢) : عقد الحبل والبيع والعقد يعقده اشتدّه. وفي المصباح (٣) : عقدت الحبل فانعقد ، والعقد ما يمسكه ويحبسه ويوثقه ، ومنه قيل عقدت البيع ونحوه وعقدت اليمين ، والفرق بين العقد والعهد كما في المجمعين وآيات الأحكام وغيرها أنّ في العقد معنى الاستيثاق والشدة ، فلا يكون إلّا بين اثنين ، والعهد قد يتفرد به الواحد.
ومنه يعلم أن إطلاق العقد على العهد الموثق من باب الحقيقة لا المجاز ، وما
__________________
(١) صحاح اللغة : ٥١٠.
(٢) القاموس المحيط ١ : ٣٨٣.
(٣) في « س » : شدّه ؛ مصباح اللغة : ٤٢١.