وأما ثانيا : فلأنّ مقتضى تساوي العباد في نظر الشارع ، التعديل بينهما ، وينافي تعيّن الضرر الأقلّ ، لأنّ جعل الضرر كلّه على صاحب الأقلّ دون صاحب الأكثر خلاف التسوية ، بل مقتضى العدل تشريكهما في القدر الأقلّ ، ونفي الزائد ، مثلا : إذا وقع ديناره في مجرّة غيره ، فإن كان ضرر الكسر نصف الدينار ، فهذا النصف يقسم بينهما ، ويكسر المجرة ، وإن كان بالعكس يتعاكس. إلّا أن يقال : تجزئة الضرر عليهما إحداث قول ثالث.
ولكن الإنصاف : إنّ عدم القول بالفصل في أمثال ما ليس له عنوان مخصوص في المدارك الشرعية غير معلوم ، بل كلّ من حكم فيه بشيء يدخله تحت قاعدة وأصل شرعي بزعمه ، كيف وليس هو أولى في إخراجه عن مقتضى القواعد ، بدعوى عدم الفصل ، من البناء على اختلاف الحكم الضرري والتعاكس فيه باختلاف الأحوال والأشخاص والخصوصيات المتجددة ، بملاحظة قاعدة نفي الضرر.
وأما ثالثا : فلأنّه لا يتمّ في المثال المتقدّم الذي جعله من أمثلة المقام ، مما يتعارض فيه الضرر الواقع لأحدهما والمتوقع للآخر عند دفعه ، فإنّ تجويز كسر المجرّة ـ مضافا إلى كونه تصرفا في مال الغير ـ ينفى بقاعدة الضرر ، دون دفع ضرر صاحب الدينار ، لعدم وجوبه على الشارع ، كما تقدّم. بل اعترف الفاضل المذكور في مقام آخر بذلك ، حيث قال : لا يجوز لأحد إضرار انسان لدفع الضرر المتوجه إليه.
ثمّ أقول : الذي يقتضيه النظر ، أنّ تعارض الضررين بالنسبة إلى شخصين ، إن كان في الضرر الحكمي الناشئ عن الشرع ، المخصّص لقاعدة الضرر ، كما في الترديد في العاقلة ، فظاهر عدم الترجيح باعتبار قاعدة الضرر ، وإن كان أحدهما أقلّ ، لتباينهما بتباين المتعلّقين.