قال أبو مخنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين قالت : فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيته فسمعت من كلامه ثمّ انصرفت. قالت : فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أسفر وجهه. قالت : فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقُدّم وحُمل إلى الحسين عليهالسلام ، ثمّ قال لامرأته : أنت طالق ، الحقي بأهلك ؛ فإنّي لا أحبّ أن يصيبك من سببي إلاّ خير ، ثمّ قال لأصحابه : مَنْ أحبّ منكم أن يتبعني وإلاّ فإنّه آخر العهد ؛ إنّي سأحدّثكم حديثاً : غزونا بَلَنْجَر (١) ، ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ، فقال لنا سلمان الباهلي (٢) : أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟! فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّد فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم منكم بما أصبتم من الغنائم. فأمّا أنا فإنّي أستودعكم الله. قال : ثمّ والله ما زال في أوّل القوم حتّى قُتل (٣).
قال أبو مخنف : وفي الثعلبية (٤) بلغه خبر قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، ثمّ
__________________
(١) قال الحموي : بلنجر (بفتحتين ، وسكون النون ، وجيم مفتوحة) : مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب. قالوا : فتحها عبد الرحمن بن ربيعة واستشهد ، ثمّ أخذ الراية أخوه سليمان بن ربيعة الذي رجع ببقية المسلمين على طريق جيلان.
(٢) الإصابة ـ ابن حجر ٣ / ١١٧ : سلمان بن ربيعة بن يزيد بن عمرو بن سهم بن ثعلبة الباهلي ، مختلف في صحبته. قال أبو حاتم : له صحبة ، يُكنى أبا عبد الله. وقال أبو عمر : ذكره العقيلي في الصحابة وهو عندي كما قال أبو حاتم. شهد فتوح الشام ثمّ سكن العراق ، وولي غزو أرمينية في زمن عثمان فاستشهد قبل الثلاثين أو بعدها (الإصابة ترجمة سلمان بين ربيعة). قال المؤلِّف : بلنجر : من أعمال أرمينية. قال البلاذري (في فتوح البلدان / ٢٤٠ ـ ٢٤١) : قُتل سلمان بن ربيعة الباهلي خلف نهر البلنجر في أربعة آلاف من المسلمين ، وكان مع سلمان ببلنجر قرضة بن كعب الأنصاري ، وهو جاء بنعيه إلى عثمان. والظاهر من رواية سيف أنّ استشهاده سنة ٣٣ هجرية. انظر الردّة والفتوح ـ لسيف بن عمر. قال المؤلِّف : وفي ضوء ذلك يتّضح أنّ رواية سلمان عن النبي صلىاللهعليهوآله : «خير قتل شباب آل محمد في كربلاء» ، إنّما كان في النصف الثاني من عهد عثمان حين ضعفت سياسة المنع من نشر الحديث ، وتصدّي أبي ذر ونظرائه لإحياء أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله في أهل بيته عليهمالسلام.
(٣) تاريخ الطبري ٥ / ٣٩٧ سنة ٦٠.
(٤) الثعلبية : منزل من منازل مكّة كانت قرية فخربت ، وهي بعد زود وقبل زُبالة.