__________________
إنّ الحمامةَ يوم الشعبِ من وثنٍ |
|
هاجت فؤادَ محبّ دائمِ الحزنِ |
يحرّض أخي فيها على الوثوب والنهوض إلى الخلافة ، ويمدحه ويقول له :
لا عزّ ركنا نزارٍ عند سطوتها |
|
إنْ أسلمتك ولا ركنا ذوي يمنِ |
ألست أكرمهم عوداً إذا انتسبوا |
|
يوماً وأطهرهم ثوباً من الدرنِ |
وأعظمَ الناسِ عند الناسِ منزلةً |
|
وأبعدَ الناسِ من عيبٍ ومن وهنِ |
قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتها |
|
إنّ الخلافةَ فيكم يا بني حسنِ |
إنّا لنأمل أن ترتدّ اُلفتنا |
|
بعد التدابرِ والبغضاءِ والإحنِ |
حتّى يثار على الإحسانِ محسننا |
|
ويأمن الخائفُ المأخوذ بالدمنِ |
وتنقضي دولةٌ أحكام قادتها |
|
فينا كأحكام قومٍ عابدي وثنِ |
فطالما قد بروا بالجور أعظمنا |
|
بري الصناعِ قداحَ النبعِ بالسفنِ |
فتغيّر وجه الرشيد عند سماع هذا الشعر ، وتغيّظ على ابن مصعب ، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو ، وبأيمان البيعة أنّ هذا الشعر ليس له ، وإنّه لسديف ، فقال يحيى : والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره ، وما حلفت كاذباً ولا صادقاً بالله قبل هذا ، وإنّ الله عزّ وجلّ إذا مجّده العبد في يمينه فقال : والله الطالب الغالب الرحمن الرحيم ، استحيا أن يعاقبه ، فدعني أن اُحلّفه بيمين ما حلف بها أحد قطّ كاذباً إلاّ عوجل. قال : فحلّفه. قال : قل برئت من حول الله وقوّته ، واعتصمت بحولي وقوّتي ، وتقلّدت الحول والقوّة من دون الله استكباراً على الله ، واستعلاء عليه ، واستغناء عنه إن كنت قلت هذا الشعر. فامتنع عبد الله من الحلف بذلك ، فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : ما له لا يحلف إن كان صادقاً؟! هذا طيلساني عليّ ، وهذه ثيابي لو حلّفني بهذه اليمين إنّها لي لحلفت. فوكز الفضل عبد الله برجله ، وكان له فيه هوى ، وقال له : احلف ويحك! فجعل يحلف بهذه اليمين ووجهه متغيّر ، وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه وقال : يابن مصعب ، قطعت عمرك ، لا تفلح بعدها أبداً. قالوا : فما برح من موضعه حتّى عرض له أعراض الجذام ، واستدارت عيناه ، وتفقّأ وجهه ، وقام إلى بيته ، فتقطّع وتشقّق لحمه ، وانتثر شعره ، ومات بعد ثلاثة أيام. وحضر الفضل بن الربيع جنازته ، فلمّا جُعل في القبر انخسف اللّحد به حتّى خرجت منه غبرة شديدة ، وجعل الفضل يقول : التراب! التراب! فطرح التراب وهو يهوى فلم يستطيعوا سدّه حتّى سُقّف بخشب وطم عليه ، فكان الرشيد يقول بعد ذلك للفضل : أرأيت يا عبّاسي ما أسرع ما اُديل ليحيى من ابن مصعب؟!