يابن الزبير ، نحن أهل قبلتكم وعلى ملّتكم ، ولسنا تركاً ولا ديلماً ؛ فإن خالفنا إخواننا من أهل مصرنا ؛ فإمّا أن نكون أصبنا وأخطئوا ، وإمّا أن نكون أخطأنا وأصابوا ، فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم ، فقد اختلفوا واقتتلوا ثمّ اجتمعوا ، وكما اقتتل أهل البصرة بينهم فقد اختلفوا واقتتلوا ، ثم اصطلحوا واجتمعوا ، وقد ملكتم فأسجحوا (١) ، وقد قدرتم فاعفو.
فما زال بهذا القول ونحوه حتّى رقَّ لهم الناس ، ورقَّ لهم مصعب ، وأراد أن يخلّي سبيلهم.
فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقال : تخلّي سبيلهم؟! اخترنا يابن الزبير أو اخترهم.
ووثب محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فقال : قتل أبي وخمسمئة من همدان ، وأشراف العشيرة ، وأهل المصر ، ثمّ تخلّي سبيلهم ودماؤنا ترقرق في أجوافهم؟! اخترنا أو اخترهم.
ووثب كلّ قوم وأهل بيت كان أُصيب منهم رجل ، فقالوا نحواً من هذا القول ، فلمّا رأى مصعب بن الزبير ذلك أمر بقتلهم.
فنادوه بأجمعهم : يابن الزبير ، لا تقتلنا ، اجعلنا مقدّمتك إلى أهل الشام غداً ، فوالله ما بك ولا بأصحابك عنّا غداً غنى إذا لقيتم عدوّكم ؛ فإن قتلنا لم نقتل حتّى نرقهم لكم ، وإن ظفرنا بهم كان ذلك لك ولمَنْ معك.
فأبى عليهم وتبع رضا العامّة.
قال أبو مخنف : وحدّثني أبي قال : حدّثني أبو روق : أنّ مسافر بن سعيد بن نمران قال لمصعب بن الزبير :
__________________
(١) الأسجاح : حسن العفو. (كتاب العين)