بغضهم والكراهية له ، وهم إذ ذاك مئة ألف مقاتل ممّن يأخذ العطاء ، ومعهم مثلهم من مواليهم.
فكانوا يخرجون في كلّ يوم فيقتتلون ، واشتدّ القتال بينهم.
فلمّا بلغ ذلك رؤوس قريش وأهل الشام قِبَل عبد الملك ومواليه قالوا : إن كان إنّما يرضي أهل العراق أن تنزع عنهم الحجّاج [فانزعه] ؛ فإنّ نزع الحجّاج أيسر من حرب أهل العراق ، فانزعه عنهم تخلص لك طاعتهم ، وتحقن به دماءنا ودماءهم. فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك ، وبعث إلى أخيه محمد بن مروان بأرض الموصل يأمره بالقدوم عليه ، فاجتمعا جميعاً عنده كلاهما في جنديهما ، فأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجّاج عنهم ، وأن يجري عليهم اُعطياتهم كما تجري على أهل الشام ، وأن ينزل ابن محمد أيّ بلد من العراق شاء يكون عليه والياً ما دام حياً ، (وكان عبد الملك والياً) ، فإن هم قبلوا ذلك عزل عنهم الحجّاج ، (وكان محمد بن مروان أمير العراق) ، وإن أبوا أن يقبلوا فالحجّاج أمير جماعة أهل الشام وولي القتال ، ومحمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك في طاعته. فلم يأت الحجّاج أمر قط كان أشدّ عليه ولا أغيظ له ولا أوجع لقلبه منه ؛ مخافة أن يقبلوا فيُعزل عنهم.
فكتب إلى عبد الملك : يا أمير المؤمنين ، والله لئن أعطيت أهل العراق نزعي لا يلبثون إلاّ قليلاً حتّى يخالفوك ويسيروا إليك ، ولا يزيدهم ذلك إلاّ جرأة عليك. ألم ترَ وتسمع بوثوب أهل العراق مع الأشتر على ابن عفّان ، فلمّا سألهم ما يريدون ، قالوا : انزع سعيد بن العاص ، فلمّا نزعه لم تتم لهم السنة حتّى ساروا إليه فقتلوه؟ إنّ الحديد بالحديد يفلح ، خار الله لك فيما ارتأيت ، والسلام عليك.
فأبى عبد الملك إلاّ عرض هذه الخصال على أهل العراق ؛ إرادة العافية من الحرب ، فلمّا اجتمعا مع الحجّاج خرج عبد الله بن عبد الملك فقال : يا أهل العراق ، أنا عبد الله ابن أمير المؤمنين ، وهو يعطيكم كذا وكذا ، فذكر هذه الخصال التي ذكرنا. وقال محمد بن مروان :