في الأبشار ، واستصفاء الأموال ؛ فإنَّ مَنْ له عقد أو عهد منهم سيبطئ عنه ، ولا يخف معه إلاَّ الرعاع وأهل السواد ، ومَنْ تنهضه الحاجة استلذاذاً للفتنة ، واُولئك ممَّن يستعبد إبليس وهو يستعبدهم ، فبادرهم بالوعيد ، واعضضهم بسوطك ، وجرِّد فيهم سيفك ، وأخف الأشراف قبل الأوساط ، والأوساط قبل السفلة. واعلم أنَّك قائم على باب اُلفة ، وداع إلى طاعة ، وحاضّ على جماعة ، ومشمِّر لدين الله ، فلا تستوحش لكثرتهم ، واجعل معقلك الذي تأوي إليه ، وصغوك الذي تخرج منه الثقة بربِّك ، والغضب لدينك ، والمحاماة عن الجماعة ، ومناصبة مَنْ أراد كسر هذا الباب الذي أمرهم الله بالدخول فيه ، والتشاح عليه ؛ فإنَّ أمير المؤمنين قد أعذر إليه ، وقضى من ذمامه ، فليس له منزى إلى ادّعاء هو له ظلمة من نصيب نفسه ، أو فيء ، أو صلة لذي قربى إلاَّ الذي خاف أمير المؤمنين من حمل بادرة السفلة على الذي عسى أن يكونوا به أشقى وأضلَّ. ولهم أمر ، ولأمير المؤمنين أعزّ وأسهل إلى حياطة الدين والذبِّ عنه ؛ فإنَّه لا يحبُّ أن يرى في أمَّته حالاً متفاوتاً ، نكالاً لهم مفنياً ، فهو يستديم النظرة ، ويتأتى للرشاد ، ويجتنبهم على المخاوف ، ويستجرهم إلى المراشد ، ويعدل بهم عن المهالك ، فعل الوالد الشفيق على ولده ، والراعي الحدب على رعيته. واعلم أنَّ من حجّتك عليهم في استحقاق نصر الله لك عند معاندتهم توفيتك أطماعهم واُعطية ذرّيتهم ، ونهيك جندك أن ينزلوا حريمهم ودورهم ، فانتهز رضا الله فيما أنت بسبيله ؛ فإنَّه ليس ذنب أسرع تعجيل عقوبة مَنْ بغى ، وقد أوقعهم الشيطان ، ودلاّهم فيه ، ودلَّهم عليه ، والعصمة بتارك البغي أولى ، فأمير المؤمنين يستعين الله عليهم ، وعلى غيرهم من رعيته ، ويسأل إلهه ومولاه ووليه أن يصلح منهم ما كان فاسداً ، وأن يسرع بهم إلى النجاة والفوز إنَّه سميع قريب (١).
قال البلاذري : وكتب زيد إلى أهل الآفاق كتباً يصف فيها جور بني اُميّة ، وسوء سيرتهم ، ويحضهم على الجهاد ، ويدعوهم إليه ، وقال : لا تقولوا خرجنا غضباً لكم ، ولكن قولوا خرجنا غضباً لله ودينه.
__________________
(١) تاريخ الطبري ٧ / ١٧٠ ـ ١٧١ ، ولم يذكر الطبري مصدره الذي أخذ الرواية عنه.