وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزّوها وتداولوها ، واستأثروا بها ، وظلموا أهلها ، فأملى الله لهم حيناً ، فلمّا آسفوه (١) انتقم منهم بأيدينا ، وردّ علينا حقّنا ، فأنا السفاح المبيح ، والثائر المبير (٢).
وكان موعوكاً فاشتدت عليه الوعكة ، فجلس على المنبر ولم يستطع الكلام.
فقام عمّه داود بن علي (وكان بين يديه) ، فقال : يا أهل العراق ، إنّا والله ما خرجنا لنحفر نهراً ، ولا لنكنز (لجيناً ولا عقياناً) ، وإنّما أخرجتنا الأنفة من ابتزاز الظالمين حقّنا. ولقد كانت اُموركم تتصل بنا فترمضنا ونحن على فرشنا ، لكم ذمّة الله وذمّة رسوله وذمّة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ، ونعمل فيكم بكتاب الله ، ونسير فيكم بسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله. واعلموا أنّ هذا الأمر ليس بخارج عنّا حتّى نسلّمه إلى عيسى بن مريم.
يا أهل الكوفة ، إنّه لم يخطب على منبركم هذا خليفة حقّ إلاّ علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا ، فاحمدوا الله الذي ردّ إليكم أموركم. ثمّ نزل.
وقد روى حديث خطبة داود بن علي برواية أخرى ، وهي الأشهر ، قالوا : لمّا صعد أبو العباس منبر الكوفة ، حصر فلم يتكلّم ، فقام داود بن علي ، وكان تحت منبره حتّى قام بين يديه تحته بمرقاة ، فاستقبل الناس ، وقال : أيّها الناس ، إنّ أمير المؤمنين يكره أن يتقدّم قوله فعله ، ولأثر الفعال أجدى عليكم من تشقيق المقال ، وحسبكم كتاب الله تمثلاً فيكم ، وابن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله خليفة عليكم. أقسم بالله قسماً برّاً ، ما قام هذا المقام أحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله أحقّ به من علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا ، فليهمس هامسكم ، ولينطق ناطقكم. ثمّ نزل.
ومن خطب داود التي خطب بها بعد قتل مروان :
شكراً شكراً! أظنّ عدو الله أن لن يظفر به ، أرخى له في زمامه حتّى عثر في فضل
__________________
(١) آسفوه : أغضبوه.
(٢) المبير : المهلك ، وقد وردت هذه الخطبة برواية أوسع من هذه في الطبري.