خطامه ، فالآن عاد الحقّ إلى نصابه ، وطلعت الشمس من مطلعها ، وأخذ القوس باريها ، وصار الأمر إلى النزعة (١) ، ورجع الحقّ إلى مستقرّه ، أهل بيت نبيّكم ، أهل الرأفة والرحمة.
وخطب عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، لمّا قُتل مروان ، فقال : الحمد لله الذي لا يفوته مَنْ طلب ، ولا يعجزه مَنْ هرب ، خدعت والله الأشقر نفسه ، إذ ظنّ أنّ الله ممهله ، ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فحتى متى وإلى متى؟! أما والله لقد كرهتهم العيدان (٢) التي افترعوها (٣) ، وأمسكت السماء درها (٤) ، والأرض ريعها (٥) ، وقحل (٦) الضرع ، وحفز الفنيق (٧) ، وأسمل (٨) جلباب الدين ، وأُبطلت الحدود ، وأُهدرت الدماء ، وكان ربّك بالمرصاد ، فدمدم (٩) عليهم ربّهم بذنبهم فسوّاها ، ولا يخاف عقباها ، وملكنا الله أمركم. عباد الله ، لينظر كيف تعملون ، فالشكر الشكر ؛ فإنّه من دواعي المزيد ، أعاذنا الله وإياكم من مضلاّت الأهواء ، وبغتات الفتن ، فإنّما نحن به وله.
لمّا أمعن داود بن علي قتل بني اُميّة بالحجاز قال له عبد الله بن الحسن : يابن عمّي ، إذا أفرطت في قتل أكفائك فمَنْ تباهي بسلطانك؟! وما يكفيك منهم أن يروك غادياً ورائحاً فيما يسرّك ويسوؤهم؟!
كان داود بن علي مثل ببني اُميّة ، يسمل العيون ، ويبقر البطون ، ويجدع الأنوف ، ويصطلم الآذان.
__________________
(١) النزعة : جمع نازع ، وهو الرامي يشدّ إليه السهم ، يريد : رجع الحقّ إلى أهله.
(٢) العيدان : يريد أعواد المنابر.
(٣) وافترعوا : اعتلوها.
(٤) درّها ، أي مطرها.
(٥) الريع : النماء.
(٦) قحل : يبس جلده على لحمه.
(٧) الفنيق : الفحل المكرم لا يؤذي لكرامته ، والحفز : السرعة في المشي.
(٨) أسمل : خلق وبلى.
(٩) دمدم عليهم : طحنهم فأهلكهم.