روى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث ، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله : أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة ، وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته. قال الباقر عليهالسلام : «وكان عُظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليهالسلام ، فقُتلت شيعتنا بكلّ بلدة ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان مَنْ يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن ، أو نُهب ماله ، أو هُدمت داره ، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين» (١).
ب ـ الولاء لمعاوية ومَنْ يجيء بعده من الحكّام ، وتوصيفه بخليفة الله ، واعتبار طاعته أعظم طاعات الله ، ومعصيته أعظم معاصي الله ، وترويج الأحاديث الكاذبة التي تحطّ من شخصية النبي صلىاللهعليهوآله بما يوافق الحكّام ، ومدح معاوية وإكرام فاعل ذلك بالعطاء ، والتشفيع والتولية ، والتوظيف في مرافق الدولة.
روى الترمذي بسنده عن سعيد بن عبد العزيز (راوي شامي) ، عن ربيعة بن يزيد
__________________
الحديث لِما نسب إلى بعض رواته من النصب ، وهو الانحراف عن علي وآل بيته. قلت : أمّا قيس بن أبي حازم ، فقال يعقوب بن شيبة : تكلّم أصحابنا في قيس ؛ فمنهم مَنْ رفع قدره وعظّمه ، وجعل الحديث عنه من أصح الأسانيد ، حتّى قال ابن معين : هو أوثق من الزهري ، ومنهم مَنْ حمل عليه ، وقال : له أحاديث مناكير. وأجاب مَنْ أطراه : بأنّها غرائب وأفراده لا يقدح فيه. ومنهم مَنْ حمل عليه في مذهبه ، وقال : كان يحمل على علي ؛ ولذلك تجنّب الرواية عنه كثير من قدماء الكوفيين. وأجاب مَنْ أطراه : بأنّه كان يقدّم عثمان على علي فقط. قلت : والمعتمد عليه أنّه ثقة ثبت ، مقبول الرواية ، وهو من كبار التابعين ، سمع من أبي بكر الصديق فمَنْ دونه ، وقد روى عنه حديث الباب إسماعيل بن أبي خالد ، وبيان بن بشر وهما كوفيان ، ولم ينسبا إلى النصب ، لكن الراوي عن بيان وهو عنبسة بن عبد الواحد أموي قد نسب إلى شيء من النصب. وأمّا عمرو بن العاص ، وإن كان بينه وبين علي ما كان فحاشاه أن يُتَهم ، وللحديث محمل صحيح لا يستلزم نقصاً في مؤمني آل أبي طالب ، وهو أنّ المراد بالنفي المجموع كما تقدّم ، ويحتمل أن يكون المراد بآل أبي طالب أبو طالب نفسه ، وهو إطلاق سائغ.
(١) شرح نهج البلاغة ١١ / ٤٤.