وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يُشار بها على المنابر ، وصار ذلك سنّة في أيّام بني اُميّة إلى أن قام عمر بن عبد العزيز فأزاله (١).
وقال أيضاً : وما كان عبد الملك مع فضله وأناته وسداده ورجحانه ممّن يخفى عليه فضل علي ، وأنّ لعنه على رؤوس الأشهاد ، وفي أعطاف الخطب ، وعلى صهوات المنابر ممّا يعود عليه نقصه ، ويرجع إليه وهنه ؛ لأنّهما جميعاً من بني عبد مناف ، والأصل واحد ، ولكنّه أراد تشييد الملك ، وتأكيد ما فعله الأسلاف ، وأن يقرّر في أنفس الناس أنّ بني هاشم لا حَظَّ لهم في هذا الأمر ، وأنّ سيدهم الذي يصولون به ويجولون ، وبفخره يفخرون هذا حاله وهذا مقداره ، فيكون مَنْ انتمى إليه ويدلي به عن الأمر أبعد ، وعن الوصول إليه أشحط (٢).
وقد بلغ الأمر ببني اُميّة أنّهم لا يحتملون لشخص أن يجمع بين اسم علي وكنيته.
__________________
(١) شرح النهج ٤ / ٥٦ الخطبة ٥٧. قال كثير بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه للسبّ :
وليتَ فلم تشتم عليّاً ولم تخف |
|
بريّاً ولم تقبل إساءةَ مجرمِ |
(الأغاني ٩ / ٢٥٨ طبعة الدار).
وقال الشريف الرضي :
ياِبنَ عَبدِ العَزيزِ لَو بَكَتِ |
|
العَي نُ فَتىً مِن أُمِيَّةٍ لَبَكَيتُكْ |
غَيرَ أَنّي أَقولُ إِنَّكَ قَد طِبتَ |
|
وَإِن لَم يَطِب وَلَم يَزكُ بَيتُكْ |
أَنتَ نَزَّهتَنا عَنِ السَبِّ وَالقَذفِ |
|
فَلَو أَمكَنَ الجَزاءُ جَزَيتُكْ |
(ديوانه).
وقد ذكر البلاذري في أنساب الأشراف ٨ / ١٩٥ رواية المدائني عن عمر بن عبد العزيز قوله : نشأت على بغض علي لا أعرف غيره ، وكان أبي يخطب فإذا ذكر علياً ونال منه تلجلج ، فقلت : يا أبه ، إنّك تمضي في خطبتك فإذا أتيت على ذكر علي عرفت منّك تقصيراً! قال : أفطنت لذلك؟ قلت : نعم. قال : يابُني ، إنّ الذين من حولنا لو نعلّمهم من حال علي ما نعلم تفرّقوا عنّا. وفي ج ٨ / ١٨٤ قال : كتب عمر إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطّاب عامله على الكوفة : أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ من قبلك يسبّون الحجّاج فانههم عن ذلك.
(٢) شرح النهج ٤ / ٥٧.